الشيخ صالح آل الشيخ
هذا الحديث في باب آخر، وهو باب الإحسان، فقال فيه -عليه الصلاة والسلام-: ﴿إن الله كتب الإحسان على كل شيء﴾ فلفظ كتب يدلنا على أن الإحسان واجب؛ لأن لفظ: كتب -عند الأصوليين- من الألفاظ التي يستفاد بها الوجوب، وما تصرف منها، يعني: ما تصرف من الكتابة، قال الله -جل وعلا- مثلا: ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ فدل على وجوبها أشياء منها: أنه وصفها بأنها كتاب فقال -جل وعلا-: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ وقال -جل وعلا-: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ وقال -جل وعلا-: ﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ وقال -جل وعلا-: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ في آيات كثيرة فيها لفظ الكتاب.
فلفظ "كتب" وما تصرف منه يدل على أنه واجب، يعني يدل على أن المكتوب واجب، ومنه الإحسان، ﴿إن الله كتب الإحسان على كل شيء﴾ وقوله هنا: ﴿كتب الإحسان على كل شيء﴾ كلمة "على" هنا فيها احتمال أن تكون كتابته الإحسان على كل شيء كتابة قدرية، يعني أنه كتبها قدرا بأن الأشياء تمشي على الإحسان، وأن الله -جل وعلا- ألهم مخلوقاته الإحسان.
ويحتمل أن تكون الكتابة هنا شرعية، فيكون معنى قوله: ﴿كتب الإحسان على كل شيء﴾ أن تكون "على" هنا بمعنى "في"، يعني:كتب الإحسان في كل شيء، يعني: لكل شيء، وهذا يتجه إذا كانت الكتابة شرعية يتجه الخطاب للمكلفين، فلهذا مثل بمثال يتعلق بالمكلفين، وهذا الثاني أظهر، يعني:أن تكون الكتابة شرعية، وأن يكون معنى ﴿كتب الإحسان على كل شيء﴾ يعني: في كل شيء، أو لكل شيء، فـ"على" هنا بمعنى "في" كقوله -عليه الصلاة والسلام- حيث سئل: ﴿أي الأعمال أحب إلى الله ؟ فقال: الصلاة على وقتها﴾ يعني: في وقتها، فيما هو معلوم في مجيء "على" بمعنى "في" في مواضع، ومجيء "في" بمعنى "على" في مواضع.
إذا تقرر هذا فالإحسان الذي كُتِب على المكلف بكل شيء، ما هو الإحسان ؟ مصدر أحسن الشيء يحسنه إحسانا، وإذا كان كذلك فالإحسان يختلف باختلاف الشيء، فإذا كان الشيء هذا عبادة صار الإحسان فيها، يعني: الإحسان الواجب بتكميل ما به يكون أجزاؤها، وصحتها وحصول الثواب بها، يعني: تكميل الأركان والواجبات والشرائط، فيخرج عن ذلك المستحبات؛ لأنها مما لم يُكتَب، مع أنه يكون بها الإحسان، لكن الإحسان المستحب.
فالشيء هنا ﴿كتب الإحسان على كل شيء﴾ يعني: في كل شيء، الشيء هنا أخذنا منه العبادات، وعرفنا الكلام فيها، هنا كتب الإحسان في كل شيء، يعني: فيما تزاوله من أمرك في حياتك، وهذا الإحسان مطلوب منك دائما، هو أن تحسن في تعاملك مع نفسك؛ بأن تمتثل الواجبات، وأن تنتهي عن المحرمات؛ لأن من لم يحسن هذا الإحسان كان ظالما لنفسه والظالم لنفسه من ارتكب بعض المنهيات، أو فرط في بعض الواجبات.
لهذا أمر الله -جل وعلا- في سورة النحل بالإحسان فقال -جل وعلا- ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَاْلإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى﴾ هذا يشمل جميع الشريعة.
الإحسان في التعامل مع الخلق، وهذا يكون بأداء الحقوق التي لهم، وعدم ظلمهم فيما لهم، والخلق متنوعون، أصناف شتى فكل أحد من الخلق له حق، فأعلى الخلق مقاما مما له حق النبي -عليه الصلاة والسلام- فالإحسان المتعلق بالمصطفى -عليه الصلاة والسلام- أن تحسن في الشهادة له بالرسالة، بأن تصدقه -عليه الصلاة والسلام- فيما أخبر، وأن تعبد الله على ما جاء به المصطفى -ﷺ-، وأن تقدم مراده -عليه الصلاة والسلام- في الدين على ما تشتهيه أنت من الأهواء والبدع، فهذا إحسان في حق المصطفى -ﷺ-. إحسان في حق الوالدين، أمر الله -جل وعلا- به في قوله: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ فهذا إحسان في حق الوالدين بإعطاء الوالدين الحقوق الواجبة التي لهم، إحسان في حق المؤمنين بعامة، إحسان في حق العصاة، إحسان في حق العلماء، إحسان في حق ولاة الأمر، إحسان في حق الكافر -أيضا-.
وهكذا فكل نوع من أنواع الخلق يتعلق به نوع من أنواع الإحسان، جاءت الشريعة بتفصيله، حتى الحيوان من الخلق تعلق الإحسان به، بما مثل به المصطفى -ﷺ- بقوله ﴿فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة﴾ هذا تمثيل لنوع من أنواع الإحسان، تعلق بنوع من أنواع المخلوقات، فذكرنا أن الإحسان على كل المخلوقات يعني: في كل المخلوقات التي تعاشرها، ومن هذه المخلوقات الحيوانات، فالحيوان كيف تحسن؟
مثَّلَ المصطفى -ﷺ- بالحيوان تمثيلا وتنبيها للإحسان في غيره، فقال -عليه الصلاة والسلام- ﴿فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته﴾ يعني: أن تسعى في القتل بأحسن الطرائق، وفي الذبح بأحسن الطرائق، وقوله: ﴿فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة﴾ هذا يشمل قتل من يستحق القتل من بني آدم، أو من الحيوانات، والظاهر من السياق أن المقصود به الحيوان، وحتى الإنسان مأمور بأن تحسن قتلته، فيضرب بالسيف ضربة واحدة على رأسه، يعني: بما يكون، يعني: على رقبته بما يكون أسرع في إزهاق روحه.
حتى الكفار أمر النبي -ﷺ- ألا يمثل بهم ﴿لا تمثلوا بهم﴾ وألا يقتل شيخ، وألا يقتل امرأة، ولا طفل إلى آخر ما جاء في السنة في ذلك.
قال: ﴿وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة﴾ أحسنوا يعني: ابحثوا عن أحسن طريق للذبح فاذبحوا، ﴿وليحد أحدكم شفرته﴾ يعني: بحيث لا يتألم المذبوح حين الذبح، ليحد أحدكم شفرته؛ بحيث يكون إمرارها مسرعا في إزهاق الروح؛ بحيث لا يأتي يحاول ويحاول فيكون مع ذلك إتعاب الحيوان في إزهاق روحه، وهذا يدل على استخدام الآلات الجيدة في إزهاق الروح في الحيوان، فيخالف الإحسان ما قد يفعله بعضهم من أنه لا يحسن الذبح، ويذهب يتعلم كيف يذبح، يذهب يتعلم فيأتي عشر دقائق أو خمس دقائق، وهو يعالج هذه الذبيحة، وربما فرت منه أو يعني: جمزت من يديه، وقامت والدم يتناثر، ونحو ذلك مما قد يجرب بعضهم الذبح، وهذا مخالف للأمر بالإحسان.
الأمر بالإحسان؛ إحسان القتلة، وإحسان الذبحة أن يكون مسرعا في إزهاق الروح في الحيوان بإحداد الشفرة، وأن تكون يده -أيضا- محسنة لاستعمال الشفرة في ذلك، وهذا من الإحسان الذي أمرنا به.
حتى جاء من الإحسان الذي أمرنا به ألا تذبح بهيمة عند بهيمة؛ حتى لا تتأذى برؤية دم أختها وهي تُذبَح، فهذا أمر عام بالإحسان في كل شيء، إحسان في العبادة، إحسان في التعامل مع نفسه، ومع الخلق، ومع الحيوان، حتى مع النبات فيه إحسان، حتى مع الجن، حتى مع الملائكة، إلى آخر ذلك، حتى مع مخلوقات الله في كل شيء إحسان بحسبه.
وهذا مقام عظيم أمر الله -جل وعلا- به: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَاْلإِحْسَانِ﴾ فعلى طلاب العلم أن يحسنوا في أقوالهم، وفي أعمالهم، وفي تعاملهم مع ربهم -جل وعلا-، وفي تعاملهم مع الخلق بأنواعه المكلفين وغير المكلفين، الجبال والنبات والشجر والدواب، إلى آخر ذلك.
فالله -جل وعلا- كتب الإحسان على كل شيء. وبهذا القدر الكفاية، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
الشيخ ابن العثيمين
﴿إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانُ عَلَى كُلِّ شَيء﴾ أي في كل شيء، ولم يقل: إلى كل شيء، بل قال: على كل شيء، يعني أن الإحسان ليس خاصاً بشيء معين من الحياة بل هو في جميع الحياة.
ثم ضرب أمثلة فقال: ﴿فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ﴾ والفرق بينهما: أن المقتول لايحل بالقتل كما لو أراد إنسان أن يقتل كلباً مؤذياً، فنقول: أحسن القتلة. وكذا إذا أراد أن يقتل ثعباناً فنقول: أحسن القتلة، وإذا ذبح فنقول: أحسن الذبحة، وهذا فيما يؤكل، أي يحسن الذبحة بكل ما يكون فيه الإحسان، ولهذا قال: وَليُحدّ أحدكم شَفْرَته أي السكين، وحدُّها يعني حكها حتى تكون قوية القطع، أي يحكها بالمبرد أو بالحجر أو بغيرهما حتى تكون حادة يحصل بها الذبح بسرعة.
﴿وَلْيُرِحْ ذَبِيْحَتَهُ﴾ اللام للأمر، أي وليرح ذبيحته عند الذبح بحيث يمر السكين بقوة وسرعة .
من فوائد هذا الحديث:
1- رأفة الله عزّ وجل بالعباد، وأنه كتب الإحسان على كل شيء. ويدخل في ذلك الإحسان إلى شخص تدله الطريق، وكذا إطعام الطعام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما ذكره النبي ﷺ من القتل والذبح مجرد أمثلة.
2- الحث على الإحسان في كل شيء، لأن الله تعالى كتب ذلك أي شرعه شرعاً مؤكداً.
3- أنك إذا قتلت شيئاً يباح قتله فأحسن القتلة، ولنضرب لهذا مثلاً: رجل آذاه كلب من الكلاب وأراد أن يقتله، فله طرق في قتله كأن يقتله بالرصاص، أو برضّ الرأس، أو بإسقائه السم، أو بالصعق بالكهرباء، أنواع كثيرة من القتل، فنقتله بالأسهل، وأسهلها كما قيل: الصعق بالكهرباء، لأن الصعق بالكهرباء لايحس المقتول بأي ألم ولكن تخرج روحه بسرعة من غير أن يشعر، فيكون هذا أسهل شيء.
يستثنى من ذلك القصاص، ففي القصاص يُفعل بالجاني كما فُعِل بالمقتول ، ودليل ذلك قصة اليهودي الذي رضّ رأس الجارية، فأمر النبي ﷺ أن يُرَضَّ رأسه بين حجرين.
4- أن الله عزّ وجل له الأمر وإليه الحكم، لقوله: إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ وكتابة الله تعالى نوعان: كتابة قدرية، وكتابة شرعية.
الكتابة القدرية لابد أن تقع، والكتابة الشرعية قد تقع من بني آدم وقد لاتقع.
مثال الأول: قول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ (الانبياء: 105) فهذه كتابة قدرية.
ومثال الثاني: قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ﴾ (البقرة: من الآية 216) أي كتب كتابة شرعية.
وقوله: ﴿وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ﴾ يجب أن تعلم أن الضمير في قوله: ﴿وَهُوَ﴾ يعود على القتال وليس يعود على الكتابة، لأن الصحابة رضي الله عنهم لايمكن أن يكرهوا فريضة الله لكن يكرهون القتل ويقاتلون فيقتلون.
وفرق بين أن يكره الإنسان حكم الله، أو أن يكره المحكوم به.
ومن الكتابة الشرعية قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَام﴾ (البقرة: من الآية 183) أي كتب شرعاً.
5- أن الإحسان شامل في كل شيء، كل شيء يمكن فيه ا لإحسان لقوله: ﴿إِنَّ الله كَتَبَ الإِحسَانَ عَلَى كِلِّ شَيء﴾.
6- حسن تعليم النبي ﷺ بضرب الأمثال، لأن الأمثلة تقرّب المعاني في قوله: ﴿إِذَا قَتَلتُمْ.. إِذَا ذَبَحْتُمْ﴾.
7- وجوب إحسان القِتلة، لأن هذا وصف للهيئة لا للفعل.
وإحسان القتلة على القول الراجح هو اتباع الشرع فيها سواء كانت أصعب أو أسهل، وعلى هذا التقدير لا يرد علينا مسألة رجم الزاني الثيّب.
8- أن نحسن الذبحة، بأن نذبحها على الوجه المشروع، والذبح لابد فيه من شروط:
1) أهلية الذابح بأن يكون مسلماً أو كتابياً، فإن كان وثنياً لم تحل ذبيحته، وإن كان مرتدّاً لم تحل ذبيحته، وعلى هذا فتارك الصلاة لاتحل ذبيحته لأنه ليس مسلماً ولا كتابياً.
فإذا قال قائل: ما هو الدليل على أن ذبيحة الكتابي حلال؟
فالجواب: قول الله عزّ وجل: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ﴾ (المائدة: من الآية 5) قال ابن عباس رضي الله عنهما: طعامهم: ما ذبحوه ، والكتابي: هو اليهودي أو النصراني
2) أن تكون الآلة مما يباح الذبح بها، وهي: كل ما أنهر الدم من حديد أو فضة أو ذهب أو حصى أو قصب، أي شيء لقول النبي ﷺ: ﴿مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلْ﴾ ومعنى: أَنْهَرَ الدَّمَ أي أساله. فلو أن إنساناً ذبح بحجر له حد وأنهر الدم، فالذبيحة حلال، إلا أنه يستثنى شيئان:
السن، والظفر، علل النبي ﷺ هذا بقوله: ﴿أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظِّفْرُ فَمُدَى الحَبَشَة﴾ أي سكاكين الحبشة.
قوله: ﴿أَمَّا السِّنُّ فَعَظمٌ﴾ أخذ من هذا بعض أهل العلم أن جميع العظام لاتحلّ الذكاة بها، قالوا: لأن العلة أعم من المعين وهو المعلول، لأنه لو أراد النبي ﷺ أن يقتصر على السن لقال: أما السن فسن، لكن قال: ﴿أَمَّا السِّنُّ فَعَظمٌ﴾ فالعلة أعم، وعلى هذا فجميع العظام لاتحل التذكية بها.
والحكمة واضحة، لأن العظم إن كان من ميتة فلا يصح أن يُذكى به، لأن التذكية تطهير والميتة نجسة. وإن كان العظم من طاهرة كعظم شاة مذكاة فلا تحل التذكية به، لأن عظم المذكاة طعام الجن، والتذكية به يفسده على الجن، لأنه سوف يتلوث بالدم النجس، وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال للجن الذين وفدوا عليه: ﴿لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللهِ تَجِدُونَهُ أَوفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمَاً﴾.
قد يقول قائل: أنا أمر بالعظام تلوح ليس عليها لحم، فما الجواب؟
الجواب سهل: أولاً: نقول: أتؤمن بالله ورسوله؟ فسيقول: نعم، نقول: هكذا قال النبي ﷺ ، وعليك أن تؤمن بذلك، سواء رأيت أم لم ترَ.
ثانياً: عالم الجن عالم غيبي، ولهذا أخبر النبي ﷺ عن الرجل الذي لم يصل الصبح أنه: ﴿بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ﴾.
إذاً يستثنى مما ينهر الدم كل عظم.
أما الظفر: فقد علل النبي ﷺ ذلك بأنه مُدى الحبشة، أي سكاكينها، ونحن منهيون أن نتشبه بالأعاجم، والحبشة أعاجم حيث دخلت عليهم العربية بعد الفتوحات الإسلامية.
فإذا قال قائل: لو وجدنا سكاكين لايستعملها إلا الحبشة فهل تحل التذكية بها؟
فالجواب: نعم.
فإذا قال قائل: كيف تقولون العبرة بعموم العلة في قوله: ﴿أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ﴾ ولا تقولون بعموم العلة هنا؟
فالجواب: أن أظفار الحبشة متصلة بالبدن، وجعلها مدى يستلزم أن لاتقص ولا تقلم، وهذا خلاف الفطرة، لأن الإنسان إذا عرف أن أظافره ستكون مدى سيبقيها، لأنه ربما يحتاجها، فتبين الفرق.
وهذا تحذير من النبي ﷺ عن مشابهة الأعاجم، وعن اتخاذ الأظافر.
3) إنهار الدم أي إسالته، ويكون إنهار الدم بقطع الودجين وهما العرقان الغليظان المحيطان بالحلقوم، وهذان العرقان متصلان بالقلب فإذا قطعا انهال الدم بكثرة وغزارة، ثم ماتت الذبيحة بسرعة.
والدليل على إنهار الدم قول النبي ﷺ : ﴿مَا أَنهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسمُ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلْ﴾ فاشترط إنهار الدم.
هل يشترط مع قطع الودجين قطع الحلقوم والمريء، لأن الذي في الرقبة أربعة أشياء: الودجان - اثنان - والحلقوم، والمريء، فهل يشترط قطع الأربعة؟
فالجواب: قطع الأربعة لاشك أنه أولى وأطهر وأذكى، لكن لو اقتصر على قطع الودجين فالصحيح أن الذبيحة حلال، ولو اقتصر على قطع المريء والحلقوم فالصحيح أنها حرام، لأن النبي ﷺ نهى عن شريطة الشيطان، وهي التي تذبح ولاتفرى أوداجها.
وهل يشترط أن يكون قطع الحلقوم من نصف الرقبة، أو من أسفلها، أومن أعلاها؟
الجواب: لايشترط، المهم أن يكون ذلك في الرقبة سواء من أعلاها مما يلي الرأس، أو من أسفلها مما يلي النحر، أو من وسطها.
4) ذكر اسم الله عليها عند الذبح، لقول النبي ﷺ: ﴿مَا أَنهرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلْ﴾ فإذا كان إنهار الدم شرطاً فكذلك التسمية شرط، بل إن الله تعالى أكد هذا بقوله: ﴿وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وإنه لفِسْقُ﴾ (الأنعام: من الآية 121) فإذا ذبح إنسان ذبيحة ولم يسمّ فالذبيحة حرام.
فإذا نسي أن يسمي فإنها حرام، لأن الشرط لايسقط بالنسيان بدليل أن الرجل لو صلى محدثاً ناسياً فصلاته غير صحيحة، ولأن الله تعالى قال: ﴿وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ (الأنعام: 121) وأطلق بالنسبة للذابح.
فإذا قال قائل: فهمنا أن التسمية شرط، وأنه لو تركها سهواً أو نسياناً أو عمداً فالذبيحة حرام، لكن ماذا تقولون في قول الله تعالى: ﴿رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ (البقرة: من الآية 286) فقال الله: قد فعلت؟
نقول: نحن لانؤاخذ هذا الذي ذبح الذبيحة ونسي أن يسمّي، ونقول: ليس عليه إثم، لكن بقي الآكل إذا جاء يريد أن يأكل من هذه وسأل: أذكر اسم الله عليها أم لا؟
فيقال له: لم يذكر اسم الله عليها، إذاً لا يأكل، لكن لو فرض أن هذا أكل من هذه الذبيحة ناسياً أو جاهلاً فلا شيء عليه.
فإن قال قائل:إذا قلتم إن هذه البعير التي تساوي ألف ريال بأنها حرام لمَّا نسي أن يسمي عليها فإنه يلزم منه أن تفسدوا أموال الناس؟
فالجواب: نحن لم نُضع المال، لأن كل شيء متروك بأمر الله فتركه ليس إضاعة، بل هو طاعة لله عزّ وجل، ألسنا نطيع الله ونعطي الزكاة وهي ربع عشر أموالنا، فلو كان عند الرجل أربعين مليوناً فزكاته مليون، فما دمنا تركنا هذه الذبيحة التي لم يسمّ الله عليها فإننا لم نضع المال في الواقع، بل وضعناه في حلِّه ومَحلِّه
ثانياً: إذا حرمناه من الذبيحة هذه المرة فلا يمكن أن ينسى بعد ذلك أبداً، بل يمكن أن يسمي عشر مرات.
ولهذا اعترض بعض الناس على قطع يد السارق وقال: إننا لو قطعنا يد السارق لكان نصف الشعب أقطع؟
فنقول له: أنت الآن أقررت بأن نصف شعبك سُرَّاقٌ، ولكننا نقول له: لو قطعت سارقاً واحداً لانتهى آلاف السرّاق.
فهذا الرجل الذي نسي التسمية وقلنا له: الذبيحة حرام لن ينسى في المستقبل ولدينا آية محكمة قال الله تعالى : ﴿وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ (الأنعام: 121).
يستثنى من قولنا: أن يقطع الودجين وهما في الرقبة ما ليس مقدوراً عليه من الحيوان، فالذي ليس مقدوراً عليه يحل بطعنه في أي موضع كان من بدنه، فلو ندّ لنا بعير - أي هرب - وعجزنا عن إدراكه ورميناه بالرصاص وأصابت الرصاصة بطنه وخرقت قلبه ومات، فإنه يكون حلالاً لأنه غير مقدور عليه.
وكذلك لو سقط في بئر ولم نتمكن من النزول إليه للننحره ورميناه وأصابت الرصاصة أي مكان من بدنه فمات فهو حلال.
9- وجوب حد الشفرة، لأن ذلك أسهل للذبيحة، ومعنىإحدادها: أن يمسحها بشيء يجعلها حادة، فإن ذبح بشفرةكالّة أي ليست بجيدة ولكن قطع ما يجب قطعه فالذبيحة حلال لكنه آثم حيث لم يحد الشفرة.
وهل يحد الشفرة أمام الذبيحة؟
الجواب: لا يحد الشفرة أمامها لأن النبي ﷺ أمر أن تحد الشفار، وأن توارى عن البهائم، أي تغطى.
ولأنه إذا حدها أمامها فهي تعرف، ولهذا أحياناً إذا حد الشفرة أمام الذبيحة هربت خوفاً من الذبح وعجزوا عنها.
10- وجوب إراحة الذبيحة وذلك بسرعة الذبح، فلا يبقى هكذا يحرحر بل بسرعة لأنه أريح لها.
ويبقى النظر: هل نجعل قوائمها الأربع مطلقة، أو نمسك بها؟
فالجواب: نجعلها مطلقة ونضع الرِّجل على صفحة العنق لئلا تقوم، وتبقى الأرجل والأيدي مطلقة، فهذا أريح للذبيحة من وجه، وأشد إفراغاً للدم من وجه آخر، لأنه مع الحركة والاضطراب يخرج الدم.
وما يفعله بعض الناس الآن من كونهم إذا أضجعوا الشاة وأرادوا الذبح بركوا عليها وأمسكوا بيديها ورجليها. فهذا تعذيب لها.
وبعضهم يأخذ بيدها اليسرى ويلويها من وراء العنق، وهذا أشد، فنقول: ضع رجلك على صفحة العنق واذبح ودعها تتحرك وتضطرب مع بقاء رجلك على صفحة العنق حتى تموت.
فإن قال قائل: هل من إراحتها ما يفعله بعض الناس بأن يكسر عنقها قبل أن تموت من أجل سرعة الموت؟
فالجواب: لايجوز هذا، لأن في كسر عنقها إيلاماً شديداً لها، ونحن لسنا في حاجة إلى هذا الإيلام، بل ننتظر حتى يخرج الدم، وإذا خرج الدم انتهى كل شيء.
11- إذا أراد الإنسان أن يؤدب أهله، أو ولده فليؤدب بإحسان؟
ولهذا قال النبي ﷺ في حجة الوداع: ﴿وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَن لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدَاً تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضرِبُوهُنَّ ضَرْبَاً غَيْرَ مُبَرِّحٍ﴾ فنقول:حتى في التأديب إذا أدبت فأحسن التأديب ولاتؤدّب بعنف. وبعض الناس يؤدّب بعنف يظن أن ذلك أنفع، وليس هكذا، بل اضرب ضرباً لاتسرف فيه.
ولهذا قال العلماء في كتاب الجنايات: لو أنه ضرب ولده ضرباً أسرف فيه ومات ضمنه، أما إذا أدّبه تأديباً عادياً بدون عنف ثم مات فلا ضمان عليه. والله أعلم.
الشيخ صالح آل الشيخ
هذا الحديث في باب آخر، وهو باب الإحسان، فقال فيه -عليه الصلاة والسلام-: ﴿إن الله كتب الإحسان على كل شيء﴾ فلفظ كتب يدلنا على أن الإحسان واجب؛ لأن لفظ: كتب -عند الأصوليين- من الألفاظ التي يستفاد بها الوجوب، وما تصرف منها، يعني: ما تصرف من الكتابة، قال الله -جل وعلا- مثلا: ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ فدل على وجوبها أشياء منها: أنه وصفها بأنها كتاب فقال -جل وعلا-: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ وقال -جل وعلا-: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ وقال -جل وعلا-: ﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ وقال -جل وعلا-: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ في آيات كثيرة فيها لفظ الكتاب.
فلفظ "كتب" وما تصرف منه يدل على أنه واجب، يعني يدل على أن المكتوب واجب، ومنه الإحسان، ﴿إن الله كتب الإحسان على كل شيء﴾ وقوله هنا: ﴿كتب الإحسان على كل شيء﴾ كلمة "على" هنا فيها احتمال أن تكون كتابته الإحسان على كل شيء كتابة قدرية، يعني أنه كتبها قدرا بأن الأشياء تمشي على الإحسان، وأن الله -جل وعلا- ألهم مخلوقاته الإحسان.
ويحتمل أن تكون الكتابة هنا شرعية، فيكون معنى قوله: ﴿كتب الإحسان على كل شيء﴾ أن تكون "على" هنا بمعنى "في"، يعني:كتب الإحسان في كل شيء، يعني: لكل شيء، وهذا يتجه إذا كانت الكتابة شرعية يتجه الخطاب للمكلفين، فلهذا مثل بمثال يتعلق بالمكلفين، وهذا الثاني أظهر، يعني:أن تكون الكتابة شرعية، وأن يكون معنى ﴿كتب الإحسان على كل شيء﴾ يعني: في كل شيء، أو لكل شيء، فـ"على" هنا بمعنى "في" كقوله -عليه الصلاة والسلام- حيث سئل: ﴿أي الأعمال أحب إلى الله ؟ فقال: الصلاة على وقتها﴾ يعني: في وقتها، فيما هو معلوم في مجيء "على" بمعنى "في" في مواضع، ومجيء "في" بمعنى "على" في مواضع.
إذا تقرر هذا فالإحسان الذي كُتِب على المكلف بكل شيء، ما هو الإحسان ؟ مصدر أحسن الشيء يحسنه إحسانا، وإذا كان كذلك فالإحسان يختلف باختلاف الشيء، فإذا كان الشيء هذا عبادة صار الإحسان فيها، يعني: الإحسان الواجب بتكميل ما به يكون أجزاؤها، وصحتها وحصول الثواب بها، يعني: تكميل الأركان والواجبات والشرائط، فيخرج عن ذلك المستحبات؛ لأنها مما لم يُكتَب، مع أنه يكون بها الإحسان، لكن الإحسان المستحب.
فالشيء هنا ﴿كتب الإحسان على كل شيء﴾ يعني: في كل شيء، الشيء هنا أخذنا منه العبادات، وعرفنا الكلام فيها، هنا كتب الإحسان في كل شيء، يعني: فيما تزاوله من أمرك في حياتك، وهذا الإحسان مطلوب منك دائما، هو أن تحسن في تعاملك مع نفسك؛ بأن تمتثل الواجبات، وأن تنتهي عن المحرمات؛ لأن من لم يحسن هذا الإحسان كان ظالما لنفسه والظالم لنفسه من ارتكب بعض المنهيات، أو فرط في بعض الواجبات.
لهذا أمر الله -جل وعلا- في سورة النحل بالإحسان فقال -جل وعلا- ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَاْلإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى﴾ هذا يشمل جميع الشريعة.
الإحسان في التعامل مع الخلق، وهذا يكون بأداء الحقوق التي لهم، وعدم ظلمهم فيما لهم، والخلق متنوعون، أصناف شتى فكل أحد من الخلق له حق، فأعلى الخلق مقاما مما له حق النبي -عليه الصلاة والسلام- فالإحسان المتعلق بالمصطفى -عليه الصلاة والسلام- أن تحسن في الشهادة له بالرسالة، بأن تصدقه -عليه الصلاة والسلام- فيما أخبر، وأن تعبد الله على ما جاء به المصطفى -ﷺ-، وأن تقدم مراده -عليه الصلاة والسلام- في الدين على ما تشتهيه أنت من الأهواء والبدع، فهذا إحسان في حق المصطفى -ﷺ-. إحسان في حق الوالدين، أمر الله -جل وعلا- به في قوله: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ فهذا إحسان في حق الوالدين بإعطاء الوالدين الحقوق الواجبة التي لهم، إحسان في حق المؤمنين بعامة، إحسان في حق العصاة، إحسان في حق العلماء، إحسان في حق ولاة الأمر، إحسان في حق الكافر -أيضا-.
وهكذا فكل نوع من أنواع الخلق يتعلق به نوع من أنواع الإحسان، جاءت الشريعة بتفصيله، حتى الحيوان من الخلق تعلق الإحسان به، بما مثل به المصطفى -ﷺ- بقوله ﴿فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة﴾ هذا تمثيل لنوع من أنواع الإحسان، تعلق بنوع من أنواع المخلوقات، فذكرنا أن الإحسان على كل المخلوقات يعني: في كل المخلوقات التي تعاشرها، ومن هذه المخلوقات الحيوانات، فالحيوان كيف تحسن؟
مثَّلَ المصطفى -ﷺ- بالحيوان تمثيلا وتنبيها للإحسان في غيره، فقال -عليه الصلاة والسلام- ﴿فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته﴾ يعني: أن تسعى في القتل بأحسن الطرائق، وفي الذبح بأحسن الطرائق، وقوله: ﴿فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة﴾ هذا يشمل قتل من يستحق القتل من بني آدم، أو من الحيوانات، والظاهر من السياق أن المقصود به الحيوان، وحتى الإنسان مأمور بأن تحسن قتلته، فيضرب بالسيف ضربة واحدة على رأسه، يعني: بما يكون، يعني: على رقبته بما يكون أسرع في إزهاق روحه.
حتى الكفار أمر النبي -ﷺ- ألا يمثل بهم ﴿لا تمثلوا بهم﴾ وألا يقتل شيخ، وألا يقتل امرأة، ولا طفل إلى آخر ما جاء في السنة في ذلك.
قال: ﴿وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة﴾ أحسنوا يعني: ابحثوا عن أحسن طريق للذبح فاذبحوا، ﴿وليحد أحدكم شفرته﴾ يعني: بحيث لا يتألم المذبوح حين الذبح، ليحد أحدكم شفرته؛ بحيث يكون إمرارها مسرعا في إزهاق الروح؛ بحيث لا يأتي يحاول ويحاول فيكون مع ذلك إتعاب الحيوان في إزهاق روحه، وهذا يدل على استخدام الآلات الجيدة في إزهاق الروح في الحيوان، فيخالف الإحسان ما قد يفعله بعضهم من أنه لا يحسن الذبح، ويذهب يتعلم كيف يذبح، يذهب يتعلم فيأتي عشر دقائق أو خمس دقائق، وهو يعالج هذه الذبيحة، وربما فرت منه أو يعني: جمزت من يديه، وقامت والدم يتناثر، ونحو ذلك مما قد يجرب بعضهم الذبح، وهذا مخالف للأمر بالإحسان.
الأمر بالإحسان؛ إحسان القتلة، وإحسان الذبحة أن يكون مسرعا في إزهاق الروح في الحيوان بإحداد الشفرة، وأن تكون يده -أيضا- محسنة لاستعمال الشفرة في ذلك، وهذا من الإحسان الذي أمرنا به.
حتى جاء من الإحسان الذي أمرنا به ألا تذبح بهيمة عند بهيمة؛ حتى لا تتأذى برؤية دم أختها وهي تُذبَح، فهذا أمر عام بالإحسان في كل شيء، إحسان في العبادة، إحسان في التعامل مع نفسه، ومع الخلق، ومع الحيوان، حتى مع النبات فيه إحسان، حتى مع الجن، حتى مع الملائكة، إلى آخر ذلك، حتى مع مخلوقات الله في كل شيء إحسان بحسبه.
وهذا مقام عظيم أمر الله -جل وعلا- به: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَاْلإِحْسَانِ﴾ فعلى طلاب العلم أن يحسنوا في أقوالهم، وفي أعمالهم، وفي تعاملهم مع ربهم -جل وعلا-، وفي تعاملهم مع الخلق بأنواعه المكلفين وغير المكلفين، الجبال والنبات والشجر والدواب، إلى آخر ذلك.
فالله -جل وعلا- كتب الإحسان على كل شيء. وبهذا القدر الكفاية، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.