الشيخ صالح آل الشيخ
هذا الحديث من الأحاديث الجوامع، وهو حديث النواس -رضي الله تعالى عنه-، عن النبي -ﷺ- قال: ﴿البر حسن الخلق﴾ "البر حسن الخلق" البر أنواع: فيكون البر فيما بين العبد وبين ربه -جل وعلا-، ويكون البر فيما بين العبد وبين الناس.
فالبر الذي بين العبد وبين ربه -جل وعلا- هو بالإيمان، وإتيان أوامر الله -جل وعلا- المختلفة، وامتثال الأمر، واجتناب النهي كما قال -جل وعلا- في سورة البقرة: ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ﴾ الآية.
فذكر البر الذي يجب على العبد لله -جل وعلا-، فهذا النوع من البر يأتي في القرآن كثيرا، والله -جل وعلا- هو الذي جعل هذا برا، فالعبد من أهل البر إذا قام بما جاء في هذه الآية، فيقال: هذا من الأبرار إذا امتثل ما في هذه الآية، وابتعد عما يكرهه الله جل وعلا.
والقسم الثاني من البر: البر مع الخلق، وهذا جماعه حسن الخلق؛ ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام-: ﴿البر حسن الخلق﴾ فجمع البر في عبارة وجيزة وهي: ﴿حسن الخلق﴾ وحسن الخلق -كما ذكرنا لك- يجمعه أنه بذل النَّدَى، وكف الأذى، وأن تحسن إلى الخلق، وأن تجزي بالسيئة الحسنة، وأن تعامل الناس بما فيه عفو عن المسيء، وكظم للغيظ، وإحسان للخلق.
فمن كان باذلا للندى، غير منتصر لنفسه، كافًّا الأذى، مقدما المعروف للخلق -فهو من ذوي حسن الخلق فيما بين الناس، فإن جمع إليك ما يستحب من ذلك، وما يجب من حقوق العباد -كان حسن الخلق عنده شرعي.
فإذا حسن الخلق الذي يكون فيه امتثال لما جاء في الشرع من صفات عباد الله المؤدين لحقوقه وحقوق عباده، هذا يكون معه البر، فالبر إذن درجات؛ لأن الإيمان بالله والملائكة واليوم الآخر… إلى آخره، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة… إلى آخره، هذا درجات، ومعاملة الخلق درجات.
فتحصل من هذا أن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ﴿البر حسن الخلق﴾ أن درجة البر تختلف بإختلاف حسن الخلق، والبر إذا أردته فهو حسن الخلق؛ لأنه بذلك تؤدي حقوق الخلق الواجبة والمستحبة.
قال: ﴿والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس﴾ عرف الإثم -وهو ما يقابل البر- بشيئين: شيء ظاهر، وشئ باطن. وهذا من الميزان الذي يمكن تطبيقه، وهو -عليه الصلاة والسلام- ممن...، بل هو -عليه الصلاة والسلام- الرؤف الرحيم بهذه الأمة، فقال لك: ﴿الإثم ما حاك في نفسك﴾ هذا أمر باطن، ﴿وكرهت أن يطلع عليه الناس﴾ وهو الأمر الظاهر.
فإذا أتيت إلى شيء مشتبه عليك فحاك في نفسك، هل هذا من الإثم أم من البر، وترددت فيه ولم تعلم أنه من البر، وانضم إلى ذلك الظاهر أنك لو فعلته كرهت أن يطلع عليه الناس -فهذا هو الإثم.
فالإثم يجمعه شيئان: شيء باطن متعلق بالقلب، وهو أنه يحوك في النفس، وتتردد في فعله النفس، وفي الظاهر يكره أنه لو عمله أن يطلع عليه الناس، فهذا يدل على أنه إثم، وهذا وصف عظيم منه -عليه الصلاة والسلام- للبر والإثم، فالبر: حسن الخلق ببذل الندى، وكف الأذى، والعفو عن المسيء، والصفح عن المخطئ في حقه. والإثم: ما حاك في نفسك وجهه، وكرهت أن يطلع عليه الناس فيما لو فعلته ظاهرا.
في الرواية الأخرى: وعن وابصة بن معبد قال: ﴿أتيت رسول الله -ﷺ- فقال: جئت تسأل عن البر. فقلت: نعم. قال: استفت قلبك، البر: ما اطمئنت إليه النفس، واطمئن إليه القلب، والإثم: ما حاك في النفس، وتردد في الصدر﴾.
ذكرت لكم أن البر نوعان: بر متعلق بحق الله، وبر متعلق بحق العباد. فالحديث الأول ذكر فيه -عليه الصلاة والسلام- البر المتعلق بحق الناس فقال: ﴿البر حسن الخلق﴾ وهنا ذكر البر بعامة ﴿فقال: استفت قلبك﴾ يعني: عن البر، هل هذا الشئ من البر أم ليس من البر، هل هو من الطاعة أم ليس من الطاعة؟ ﴿استفت قلبك، البر: ما اطمئنت إليه النفس، واطمئن إليه القلب﴾ يعني: أنه لم يصر في القلب تردد من هذا الشئ المعين، ولا يكره أن يطلع عليه الناس، وهذا يعم جميع أنواع الطاعات، وقابله بالإثم حيث قال: ﴿والإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك﴾.
فعرف الإثم أو جعل -عليه الصلاة والسلام- علامة للإثم بأنه: ﴿ما حاك في النفس، وتردد في الصدر﴾ على نحو ما ذكرنا، ﴿وإن أفتاك الناس وأفتوك﴾ ولهذا يدخل في ذلك جميع الأنواع المشتبهة التي تدخل في المتشابهات التي ذكرناها في حديث النعمان بن بشير.
فالإثم تفرغ منه إذا كان الشئ يحوك في الصدر، ولا تطمئن إليه النفس؛ لأن المسلم بإيمانه ودينه وتقواه تطمئن نفسه إلى ما فيه الطاعة، وأما ما فيه شبهة أو ما فيه حرام فيجد أنه خائف منه، أو أنه متردد فيه، ولا يستأنس بشئ فيه تعريض لمحرم أو اشتباه؛ لأنه قد يقع في الحرام.
فقال -عليه الصلاة والسلام-: ﴿والإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك﴾ هنا قال: ﴿وإن أفتاك الناس﴾ يعني: قد تذهب إلى مفتٍ تستفتيه في شأنك، ويفتيك بأن هذا لا بأس به، ولكن يبقى في صدرك التردد.
والمفتي إنما يتكلم بحسب الظاهر -يفتي بحسب ما يظهر له من السؤال- وقد يكون عند السائل أشياء في نفسه لم يبدها، أو لم يستطع أن يبديها بوضوح فيبقى هو الحكم على نفسه، والتكليف معلق به، وإماطة الثواب والعقاب معلقة بعمله هو، فإذا بقي في نفسه تردد ولم تطمئن نفسه إلى إباحة من أباح له الفعل -فعليه أن يأخذ بما بما جاء في نفسه، من جهة أنه يمتنع عن المشتبهات أو عما تردد في الصدر.
وهنا يبحث العلماء بحثا معلوما يطول، وهو بحث أصولي وكذلك فقهي، في أن ما يتردد في الصدر ويحيك فيه، ولا يطمئن إليه القلب، هل هو إثم بإطلاق، أم أن بعض أنواعه إثم؟ والتحقيق في هذا أن المسألة فيها تفصيل.
فإذا كان يعني الحالة الأولى : أن يكون التردد الذي في النفس واقعا عن جهل من صاحبه في الحكم الشرعي أو بالسنة، فهذا لو تردد في شيء جاء النص بحسنه أو بإباحته أو بالأمر به -فإنه يكون عاصيا لو لم يفعل، أو يكون ملوما لو لم يمتثل للسنة.
وقد جاء في الحديث الصحيح "صحيح مسلم": ﴿أن النبي -ﷺ- أمر ناسا بالإفطار في السفر، فبقي منهم بقية لم يفطروا، فقيل للنبي -عليه الصلاة والسلام-: إن أناسا لم يفطروا. فقال: أولئك العصاة أولئك العصاة﴾.
فهذا يدل أن الأمر إذا كان من السنة بوضوح، فإن تركه لتردد في الصدر أن هذا من الشيطان، فلا اعتبار لهذا النوع: يكون في سفر يقول: أنا لن أقصر، في نفسي شيء من أن أقصر مع توافر الشروط بما دلت عليه السنة بوضوح، فإن هذا تردد لا وجه له.
كذلك شيء دل القرآن الكريم، أو دلت السنة على مشروعيته، ثم هو يبقى في نفسه تردد، فهذا لم يستسلم أو لم يعلم حكم الله -جل وعلا-، فلا قيمة لهذا النوع.
الحالة الثانية: أن يقع التردد من جهة اختلاف المفتين، اختلاف المجتهدين في مسألة، فاختلف المجتهدون في تنزيل واقعة هذا المستفتي على النصوص: فمنهم من أفتاه بكذا، ومنهم من أفتاه بكذا، فهذا ليس الإثم في حقه أن يبقى مع تردد نفسه، ليس الإثم في حقه أن يزيل تردد نفسه.
وليس البر في حقه أن يعمل بما اطمئنت إليه نفسه خارجا عن القولين، بل البر في حقه ما اطمئنت إليه نفسه من أحد القولين؛ لأنه لا يجوز للعامي أن يأخذ بقول نفسه مع وجود عالم يستفتيه، بل إذا استفتى عالما، وأوضح له أمره وأفتاه -فإن عليه أن يفعل ما أفتاه العالم به، فإذا اختلف المفتون فإنه يأخذ بفتوى الأعلم الأفقه بحاله.
الحالة الثالثة: وهي التي ينزل عليها هذا الحديث، وهي أنه يفتي الناس، وهي أنه يستفتي المفتي فيفتى بشئ لا تطمئن نفسه لصوابه فيما يتعلق بحالته، فيبقى مترددا يخشى أنه لم يفهم، يقول: هذا أفتاني لكن المسألة فيها أشياء أخر لم يستبنها، يقول: المفتي لم يستفصل مني، يقول: حالة المفتي أنه ما استوعب المسألة من جهاتها.
فإفتاء المفتي للمكلف لا يرفع التكليف عنه في مثل هذه الحالة، وإنما ينجو بالفتوى إذا أوضح مراده بدون التباس فوفي، فإنه يكون قد أدى الذي عليه بسؤال أهل العلم امتثالا لقول الله -جل وعلا-: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾.
وأما إذا لم يفصل أو لم يستفصل المسئول المفتي، أو لم يحسن فهم المسألة فاستجعل وأفتى، وبقي في قلب المستفتي شيء من الريب من جهة أن المفتي لم يفهم كلامه، أو لم يفهم حاله أو أن هناك من حاله ما لا يصلح أن يبين، أو ما لم يستطع بيانه -فإن هذا يدخل في هذا الحديث بوضوح: ﴿فالإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك﴾.
فإذن الأحوال كما قال أهل العلم ثلاثة: اثنان منها لا تدخل في ذلك، وهي الأولى نعيدها باختصار، الأولى: ما ورد النص به؛ فإنه لا يجوز أن يبقى في النفس تردد مع ورود النص: من الكتاب، أو السنة، أو إجماع أهل العلم في المسألة، أو إجماع أهل السنة في المسألة.
والثاني: أن يختلف المفتون، وقد أوضح لهم حاله، فإن عليه أن يأخذ بفتوى الأعلم الأفقه منهم، أو من تطمئن نفسه لفتواه.
والحالة الثالثة: أنه لم يحسن إبداء المسألة، أو لم يستفصل المفتي، فرجع الأمر فيما بينه وبين المفتي إلى عدم وضوح في موافقة حكم الله في المسألة، فإنه يترك الأمر ويخرج من الخلاف استبراء لدينه، ورغبة في دوام تعرضه للإثم. ونكتفي بهذا القدر، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
الشيخ ابن العثيمين
قوله ﴿البر﴾ أي الذي ذكره الله تعالى في القرآن فقال ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ (المائدة: من الآية 2) والبر كلمة تدل على كثرة الخير.
﴿حسن الخلق﴾ أي حسن الخلق مع الله، وحسن الخلق مع عباد الله ، فأما حسن الخلق مع الله فان تتلقي أحكامه الشرعية بالرضا والتسليم، وأن لا يكون في نفسك حرج منها ولا تضيق بها ذرعا، فإذا أمرك الله بالصلاة والزكاة والصيام وغيرها فإنك تقابل هذا بصدر منشرح.
وأيضا حسن الخلق مع الله في أحكامه القدرية، فالإنسان ليس دائما مسرورا حيث يأتيه ما يحزنه في ماله أو في أهله أو في نفسه أو في مجتمعه والذي قدر ذلك هو الله عز وجل فتكون حسن الخلق مع الله، وتقوم بما أمرت به وتنزجر عما نهيت عنه.
أما حسن الخلق مع الناس فقد سبق أنه: بذل الندى وكف الأذى والصبر على الأذى، وطلاقة الوجه.
وهذا هو البر والمراد به البر المطلق، وهناك بر خاص كبر الوالدين مثلا وهو الإحسان إليهما بالمال والبدن والجاه وسائر الإحسان.
وهل يدخل بر الوالدين في قوله ﴿حسن الخلق﴾؟
فالجواب: نعم، يدخل لأن بر الوالدين لا شك أنه خلق حسن محمود كل أحد يحمد فاعله عليه.
﴿والإثم﴾ هو ضد البر لأن الله تعالى قال: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ (المائدة: من الآية 2) فما هو الإثم؟
﴿والإثم ما حاك في نفسك﴾ أي تردد وصرت منه في قلق ﴿وكرهت ألا يطلع عليه الناس﴾ لأنه محل ذم وعيب، فتجدك مترددا فيه وتكره أن يطلع الناس عليك وهذه الجملة إنما لمن كان قلبه صافيا سليما، فهذا هو الذي يحوك في نفسه ما كان إثما ويكره أن يطلع عليه الناس.
أما المتمردون الخارجون عن طاعة الله الذين قست قلوبهم فهؤلاء لا يبالون، بل ربما يتبجحون بفعل المنكر والإثم، فالكلام هنا ليس عاما لكل أحد بل هو خاص لمن كان قلبه سليما طاهرا نقيا؛ فإنه إذا هم بإثم وإن لم يعلم أنه إثم من قبل الشرع تجده مترددا يكره أن يطلع الناس عليه، وهذا ضابط وليس بقاعدة، أي علامة على الإثم في قلب المؤمن .
من فوائد الحديث :
1- أن النبي أعطي جوامع الكلم، يتكلم بالكلام اليسير وهو يحملة معاني كثيرة لقوله ﴿البر حسن الخلق﴾ كلمة جامعة مانعة.
2- الحث على حسن الخلق وأنك متي أحسنت خلقك فإنك في بر.
فإن قال قائل: وهل البر ينافي الغضب لله عز وجل؟ يعني لو غضبت على إنسان وشددت عليه فهل ذلك ينافي البر وحسن الخلق؟
الجواب: إن ذلك لا ينافي حسن الخلق، بل هذا من حسن الخلق لأن المقصود به التربية والتوجيه، فهو من حسن الخلق؛ ولهذا كان النبي صلي الله عليه وسلم لا ينتقم لنفسه؛ لكن إذا انتهكت محارم الله عز وجل كان أشد الناس فيها.
3- إن المؤمن الذي قلبه صافي سليم يحوك في نفسه الإثم وإن لم يعلم انه إثم بل يتردد فيه لقوله ﴿والإثم ما حاك في نفسك﴾ وهو يخاطب النواس بن سمعان وأمثاله وموقف الإنسان إذا حاك في نفسه شيء هل هو إثم أو غير إثم أن يدع هذا حتى يتبين لقوله صلي الله عليه وسلم ﴿دع ما يريبك إلى ما لا يريبك﴾ ولا تتجاسر فتقع في الشبهات ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام كما ثبت ذلك عن النبي صلي الله عليه وسلم.
4- إن الرجل المؤمن يكره أن يطلع الناس على آثامه لقوله ﴿وكرهت أن يطلع عليه الناس﴾ أما الرجل الفاجر المتمرد فلا يكره أن يطلع الناس على آثامه بل من الناس من يفتخر ويفاخر بالمعصية كما يوجد في الفسقة الذين يذهبون
إلى بلاد كلها فجور وخمور ثم يأتي مفتخرا فيتحدث أنه فجر بكم إمرأة، وأنه شرب كم كأسا من الخمر فتكون السئية عنده حسنة، ويكون مستهترا بأحكام الله عز وجل، ومثل هذا يستتاب فإن تاب وإلا قتل. لأن هذا من أعظم السخرية بدين الله عز وجل ويأتي يتبجح بما وصفه الله بأنه فاحشة كالزني ويأتي يتبجح بشرب من لعن النبي صلي الله عليه وسلم شاربه فأين الدين وأين الإيمان.
وإذا عومل مثل هذا بما يستحق أرتدع كثير من الناس عن مثل هذه الأمور. والله المستعان.
شرح الحديث الثاني
وعن وابصة الأسدي قال: أتيت رسول الله صلي الله عليه وسلم وأنا أريد أن لا أدع شيئا من البر والإثم إلا سألته عنه وحوله عصابة من المسلمين يستفتونه فجعلت أتخطاهم قالوا: إليك يا وابصة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قلت: دعوني فأدنوا منه، فإنه أحب الناس إلي أن أدنو منه قال: ﴿دعو وابصة أدن يا وابصة﴾ مرتين أو ثلاثا قال: فدنوت منه حتى قعدت بين يديه فقال : ﴿يا وابصة أأخبرك أو تسألني؟﴾ قلت: لا، بل أخبرني فقال: ﴿جئت تسأل عن البر و الإثم ؟﴾ فقال: نعم؛ فجمع أنامله فجعل ينكت بهن في صدري ويقول: ﴿يا وابصة استفت قلبك ؛ واستفت نفسك﴾ ثلاث مرات ﴿البر ما اطمأنت إليه النفس والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك﴾.
قوله: ﴿جئت تسأل عن البر﴾ قلت: نعم هذه جملة خبرية في ظاهرها ولكنها استفهامية في معناها فمعني ﴿جئت تسأل عن البر﴾ يعني أجئت تسال عن البر؟
والجملة الخبرية تأتي بمعني الأستفهام كثيرا قال الله عز وجل: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ﴾ (الانبياء: 21) فجمله ﴿هُمْ يُنْشِرُونَ﴾ جملة استفهامية حذفت منها همزة الإستفهام والتقدير: أهم ينشرون حتى يتخذوهم آلهة ولهذا ينبغي للقارئ ألا يصل قوله ﴿هُمْ يُنْشِرُونَ﴾ بقوله ﴿أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ﴾ (الانبياء: 21) يقول: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ﴾ ﴿هُمْ يُنْشِرُونَ﴾ حتى يتبين المعني لأنك لو وصلت لظن السامع أنها صفة لآلهة.
فإن قال قائل: كيف وقع في قلب النبي صلي الله عليه وسلم أن هذا الرجل جاء يسأل عن البر؟
فالجواب: قضايا الأعيان لا يسأل عنها، وهذه قضية عين يحتمل ان النبي صلي الله عليه وسلم بلغه أن وابصة رضي الله عنه يسأل عن البر، فلما أتي إليه قال له: ﴿أجئت تسأل عن البر﴾ ويحتمل أن هذا من فراسة النبي صلي الله عليه وسلم فالمهم: أن قضايا الأعيان يصعب جدا أن يدرك الإنسان أسبابها.
﴿قلت نعم قال: استفت قلبك﴾ أي أسأل والأستفتاء طلب الافتاء وهو بمعني الخبر لأن الافتاء أخبار عن حكم شرعي فأحاله النبي صلي الله عليه وسلم على قلبه.
﴿البر ما أطمأن إليه القلب وأطمأنت إليه النفس﴾ إطمأن يعني: استقر ومنه الحديث: ﴿أركع حتى تطمئن راكعا﴾ أي تستقر فما استقر إليه القلب ورضي به وانشرح به واطمأنت إليه النفس أيضا لا تحدثك نفسك بالخروج عنه فهذا هو البر ولكن لمن قلبه سليم ونيته صادقه. أما من ليس كذلك فقلبه لا يطمئن للبر ولا تطمئن إليه نفسه ولهذا تجده إذا شرع في البر يضيق ذرعا ويسرع هربا حتى كأنه مطرود لكن المؤمن يطمئن قلبه وتطمئن نفسه إلى البر.
﴿والإثم ما حاك في النفس﴾ أي تردد فيها ﴿وتردد في الصدر﴾ يعني في القلب لأنه قال: ﴿البر ما اطمأنت إليه نفسك وأطمأن إليه القلب﴾.
﴿وإن أفتاك الناس وأفتوك ﴾ هذا من باب التوكيد يعني حتى لو أفتاك وأفتاك وأفتاك فلا ترجع إلى فتواهم ما دام قلبك لم يطمئن ولم يستقر فلا تلتفت للفتوي.
من فوائد الحديث :
1- حسن خلق النبي صلي الله عليه وسلم حيث يتقدم للسائل بما في نفسه ليستريح ويطمئن لقوله ﴿جئت تسأل عن البر؟﴾
2- جواز حذف همزة الإستفهام إذا دل عليها الدليل، لكن هذا ليس حكما شرعيا إنما هو حكم لغوي.
3- أن ﴿نعم﴾ جواب لإثبات ما سئل عنه فقول وابصة رضي الله عنه ﴿نعم﴾ أي جئت أسأل عن البر؛ ولهذا لو أجاب الإنسان بها من سأله عن شيء فمعناها إثبات ذلك الشيء.
4- جواز الرجوع إلى القلب والنفس ولكن بشرط أن يكون هذا الذي رجع إلى قلبه ونفسه ممن استقام دينه؛ فإن الله عز وجل يؤيد من علم الله منه صدق النية.
5- إن الصوفية وأشباههم استدلوا بهذا الحديث على ان الذوق دليل شرعي يرجع إليه لأنه قال: ﴿فاستفت قلبك﴾ فما وافق عليه القلب فهو بر.
فيقال: هذا لا يمكن لأن الله تعالى أنكر على من شرعوا دينا لم يأذن به الله ولا يمكن أن يكون ما أنكره الله حقا أبدا.
ثم إن الخطاب هنا لرجل صحابي حريص على تطبيق الشريعة فمثل هذا يؤده الله عز وجل ويهدي قلبه حتى لا يطمئن إلا إلى أمر محبوب إلى الله عز وجل
6- أن لا يغتر الإنسان بإفتاء الناس لا سيما إذا وجد في نفسه ترددا؛ فإن كثير من الناس يستفتي عالما أو طالب علم فيفتيه ثم يتردد ويشك؛ فهل لهذا الذي تردد وشك أن يسأل عالما آخر؟
الجواب: نعم بل يجب عليه أن يسأل عالما آخر إذا تردد في جواب الأول.
7- أن المدار في الشرعية على الأدلة لا على ما أشتهر بين الناس لأن الناس قد يشتهر عندهم شيء ويفتون به وليس بحق فالمدار على الأدلة الشرعية. والله الموفق.
الشيخ صالح آل الشيخ
هذا الحديث من الأحاديث الجوامع، وهو حديث النواس -رضي الله تعالى عنه-، عن النبي -ﷺ- قال: ﴿البر حسن الخلق﴾ "البر حسن الخلق" البر أنواع: فيكون البر فيما بين العبد وبين ربه -جل وعلا-، ويكون البر فيما بين العبد وبين الناس.
فالبر الذي بين العبد وبين ربه -جل وعلا- هو بالإيمان، وإتيان أوامر الله -جل وعلا- المختلفة، وامتثال الأمر، واجتناب النهي كما قال -جل وعلا- في سورة البقرة: ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ﴾ الآية.
فذكر البر الذي يجب على العبد لله -جل وعلا-، فهذا النوع من البر يأتي في القرآن كثيرا، والله -جل وعلا- هو الذي جعل هذا برا، فالعبد من أهل البر إذا قام بما جاء في هذه الآية، فيقال: هذا من الأبرار إذا امتثل ما في هذه الآية، وابتعد عما يكرهه الله جل وعلا.
والقسم الثاني من البر: البر مع الخلق، وهذا جماعه حسن الخلق؛ ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام-: ﴿البر حسن الخلق﴾ فجمع البر في عبارة وجيزة وهي: ﴿حسن الخلق﴾ وحسن الخلق -كما ذكرنا لك- يجمعه أنه بذل النَّدَى، وكف الأذى، وأن تحسن إلى الخلق، وأن تجزي بالسيئة الحسنة، وأن تعامل الناس بما فيه عفو عن المسيء، وكظم للغيظ، وإحسان للخلق.
فمن كان باذلا للندى، غير منتصر لنفسه، كافًّا الأذى، مقدما المعروف للخلق -فهو من ذوي حسن الخلق فيما بين الناس، فإن جمع إليك ما يستحب من ذلك، وما يجب من حقوق العباد -كان حسن الخلق عنده شرعي.
فإذا حسن الخلق الذي يكون فيه امتثال لما جاء في الشرع من صفات عباد الله المؤدين لحقوقه وحقوق عباده، هذا يكون معه البر، فالبر إذن درجات؛ لأن الإيمان بالله والملائكة واليوم الآخر… إلى آخره، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة… إلى آخره، هذا درجات، ومعاملة الخلق درجات.
فتحصل من هذا أن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ﴿البر حسن الخلق﴾ أن درجة البر تختلف بإختلاف حسن الخلق، والبر إذا أردته فهو حسن الخلق؛ لأنه بذلك تؤدي حقوق الخلق الواجبة والمستحبة.
قال: ﴿والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس﴾ عرف الإثم -وهو ما يقابل البر- بشيئين: شيء ظاهر، وشئ باطن. وهذا من الميزان الذي يمكن تطبيقه، وهو -عليه الصلاة والسلام- ممن...، بل هو -عليه الصلاة والسلام- الرؤف الرحيم بهذه الأمة، فقال لك: ﴿الإثم ما حاك في نفسك﴾ هذا أمر باطن، ﴿وكرهت أن يطلع عليه الناس﴾ وهو الأمر الظاهر.
فإذا أتيت إلى شيء مشتبه عليك فحاك في نفسك، هل هذا من الإثم أم من البر، وترددت فيه ولم تعلم أنه من البر، وانضم إلى ذلك الظاهر أنك لو فعلته كرهت أن يطلع عليه الناس -فهذا هو الإثم.
فالإثم يجمعه شيئان: شيء باطن متعلق بالقلب، وهو أنه يحوك في النفس، وتتردد في فعله النفس، وفي الظاهر يكره أنه لو عمله أن يطلع عليه الناس، فهذا يدل على أنه إثم، وهذا وصف عظيم منه -عليه الصلاة والسلام- للبر والإثم، فالبر: حسن الخلق ببذل الندى، وكف الأذى، والعفو عن المسيء، والصفح عن المخطئ في حقه. والإثم: ما حاك في نفسك وجهه، وكرهت أن يطلع عليه الناس فيما لو فعلته ظاهرا.
في الرواية الأخرى: وعن وابصة بن معبد قال: ﴿أتيت رسول الله -ﷺ- فقال: جئت تسأل عن البر. فقلت: نعم. قال: استفت قلبك، البر: ما اطمئنت إليه النفس، واطمئن إليه القلب، والإثم: ما حاك في النفس، وتردد في الصدر﴾.
ذكرت لكم أن البر نوعان: بر متعلق بحق الله، وبر متعلق بحق العباد. فالحديث الأول ذكر فيه -عليه الصلاة والسلام- البر المتعلق بحق الناس فقال: ﴿البر حسن الخلق﴾ وهنا ذكر البر بعامة ﴿فقال: استفت قلبك﴾ يعني: عن البر، هل هذا الشئ من البر أم ليس من البر، هل هو من الطاعة أم ليس من الطاعة؟ ﴿استفت قلبك، البر: ما اطمئنت إليه النفس، واطمئن إليه القلب﴾ يعني: أنه لم يصر في القلب تردد من هذا الشئ المعين، ولا يكره أن يطلع عليه الناس، وهذا يعم جميع أنواع الطاعات، وقابله بالإثم حيث قال: ﴿والإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك﴾.
فعرف الإثم أو جعل -عليه الصلاة والسلام- علامة للإثم بأنه: ﴿ما حاك في النفس، وتردد في الصدر﴾ على نحو ما ذكرنا، ﴿وإن أفتاك الناس وأفتوك﴾ ولهذا يدخل في ذلك جميع الأنواع المشتبهة التي تدخل في المتشابهات التي ذكرناها في حديث النعمان بن بشير.
فالإثم تفرغ منه إذا كان الشئ يحوك في الصدر، ولا تطمئن إليه النفس؛ لأن المسلم بإيمانه ودينه وتقواه تطمئن نفسه إلى ما فيه الطاعة، وأما ما فيه شبهة أو ما فيه حرام فيجد أنه خائف منه، أو أنه متردد فيه، ولا يستأنس بشئ فيه تعريض لمحرم أو اشتباه؛ لأنه قد يقع في الحرام.
فقال -عليه الصلاة والسلام-: ﴿والإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك﴾ هنا قال: ﴿وإن أفتاك الناس﴾ يعني: قد تذهب إلى مفتٍ تستفتيه في شأنك، ويفتيك بأن هذا لا بأس به، ولكن يبقى في صدرك التردد.
والمفتي إنما يتكلم بحسب الظاهر -يفتي بحسب ما يظهر له من السؤال- وقد يكون عند السائل أشياء في نفسه لم يبدها، أو لم يستطع أن يبديها بوضوح فيبقى هو الحكم على نفسه، والتكليف معلق به، وإماطة الثواب والعقاب معلقة بعمله هو، فإذا بقي في نفسه تردد ولم تطمئن نفسه إلى إباحة من أباح له الفعل -فعليه أن يأخذ بما بما جاء في نفسه، من جهة أنه يمتنع عن المشتبهات أو عما تردد في الصدر.
وهنا يبحث العلماء بحثا معلوما يطول، وهو بحث أصولي وكذلك فقهي، في أن ما يتردد في الصدر ويحيك فيه، ولا يطمئن إليه القلب، هل هو إثم بإطلاق، أم أن بعض أنواعه إثم؟ والتحقيق في هذا أن المسألة فيها تفصيل.
فإذا كان يعني الحالة الأولى : أن يكون التردد الذي في النفس واقعا عن جهل من صاحبه في الحكم الشرعي أو بالسنة، فهذا لو تردد في شيء جاء النص بحسنه أو بإباحته أو بالأمر به -فإنه يكون عاصيا لو لم يفعل، أو يكون ملوما لو لم يمتثل للسنة.
وقد جاء في الحديث الصحيح "صحيح مسلم": ﴿أن النبي -ﷺ- أمر ناسا بالإفطار في السفر، فبقي منهم بقية لم يفطروا، فقيل للنبي -عليه الصلاة والسلام-: إن أناسا لم يفطروا. فقال: أولئك العصاة أولئك العصاة﴾.
فهذا يدل أن الأمر إذا كان من السنة بوضوح، فإن تركه لتردد في الصدر أن هذا من الشيطان، فلا اعتبار لهذا النوع: يكون في سفر يقول: أنا لن أقصر، في نفسي شيء من أن أقصر مع توافر الشروط بما دلت عليه السنة بوضوح، فإن هذا تردد لا وجه له.
كذلك شيء دل القرآن الكريم، أو دلت السنة على مشروعيته، ثم هو يبقى في نفسه تردد، فهذا لم يستسلم أو لم يعلم حكم الله -جل وعلا-، فلا قيمة لهذا النوع.
الحالة الثانية: أن يقع التردد من جهة اختلاف المفتين، اختلاف المجتهدين في مسألة، فاختلف المجتهدون في تنزيل واقعة هذا المستفتي على النصوص: فمنهم من أفتاه بكذا، ومنهم من أفتاه بكذا، فهذا ليس الإثم في حقه أن يبقى مع تردد نفسه، ليس الإثم في حقه أن يزيل تردد نفسه.
وليس البر في حقه أن يعمل بما اطمئنت إليه نفسه خارجا عن القولين، بل البر في حقه ما اطمئنت إليه نفسه من أحد القولين؛ لأنه لا يجوز للعامي أن يأخذ بقول نفسه مع وجود عالم يستفتيه، بل إذا استفتى عالما، وأوضح له أمره وأفتاه -فإن عليه أن يفعل ما أفتاه العالم به، فإذا اختلف المفتون فإنه يأخذ بفتوى الأعلم الأفقه بحاله.
الحالة الثالثة: وهي التي ينزل عليها هذا الحديث، وهي أنه يفتي الناس، وهي أنه يستفتي المفتي فيفتى بشئ لا تطمئن نفسه لصوابه فيما يتعلق بحالته، فيبقى مترددا يخشى أنه لم يفهم، يقول: هذا أفتاني لكن المسألة فيها أشياء أخر لم يستبنها، يقول: المفتي لم يستفصل مني، يقول: حالة المفتي أنه ما استوعب المسألة من جهاتها.
فإفتاء المفتي للمكلف لا يرفع التكليف عنه في مثل هذه الحالة، وإنما ينجو بالفتوى إذا أوضح مراده بدون التباس فوفي، فإنه يكون قد أدى الذي عليه بسؤال أهل العلم امتثالا لقول الله -جل وعلا-: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾.
وأما إذا لم يفصل أو لم يستفصل المسئول المفتي، أو لم يحسن فهم المسألة فاستجعل وأفتى، وبقي في قلب المستفتي شيء من الريب من جهة أن المفتي لم يفهم كلامه، أو لم يفهم حاله أو أن هناك من حاله ما لا يصلح أن يبين، أو ما لم يستطع بيانه -فإن هذا يدخل في هذا الحديث بوضوح: ﴿فالإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك﴾.
فإذن الأحوال كما قال أهل العلم ثلاثة: اثنان منها لا تدخل في ذلك، وهي الأولى نعيدها باختصار، الأولى: ما ورد النص به؛ فإنه لا يجوز أن يبقى في النفس تردد مع ورود النص: من الكتاب، أو السنة، أو إجماع أهل العلم في المسألة، أو إجماع أهل السنة في المسألة.
والثاني: أن يختلف المفتون، وقد أوضح لهم حاله، فإن عليه أن يأخذ بفتوى الأعلم الأفقه منهم، أو من تطمئن نفسه لفتواه.
والحالة الثالثة: أنه لم يحسن إبداء المسألة، أو لم يستفصل المفتي، فرجع الأمر فيما بينه وبين المفتي إلى عدم وضوح في موافقة حكم الله في المسألة، فإنه يترك الأمر ويخرج من الخلاف استبراء لدينه، ورغبة في دوام تعرضه للإثم. ونكتفي بهذا القدر، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.