28. Завещаю вам бояться Аллаха и слушаться и подчиняться (правителям)

28 — Сообщается, что Абу Наджих аль-‘Ирбад бин Сарийа, да будет доволен им Аллах, сказал: «(Однажды) Посланник Аллаха ﷺ обратился к нам с увещанием, от которого сердца наши испытали страх, а из глаз потекли слёзы, и мы сказали: “О Посланник Аллаха, это похоже на увещание прощающегося, так дай же нам наставление!” Он сказал: “Вот моё наставление вам: бойтесь Всемогущего и Великого Аллаха и слушайте и повинуйтесь, даже если повелевать вами будет невольник. Поистине, тот из вас, кто проживёт (достаточно долго), увидит много раздоров, и поэтому вам следует придерживаться моей Сунны и Сунны праведных халифов, ведомых правильным путём, ни в чём не отступая от этогo и полностью избегая новшеств, ибо каждое нововведение есть заблуждение”». 

(Этот хадис передали Абу Дауд 4607 и ат-Тирмизи 2676. Шейх аль-Албани назвал хадис достоверным. См. «ас-Сильсиля ас-сахиха» 2735, «Сахих аль-джами‘ ас-сагъир» 2549, «Сахих ат-таргъиб ва-т-тархиб» 37, «Тахридж Мишкатуль-масабих» 165).


Ошибка в тексте? Сообщите нам

Арабский текст

٢٨ - عَنْ أَبِي نَجِيحٍ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: ﴿وَعَظَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ مَوْعِظَةً وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ وَ ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا. قَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَ السَّمْعِ وَ الطَّاعَةِ، وَ إِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَ سُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَ إِيَّاكُمْ وَ مُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ﴾ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَ التِّرْمِذِيُّ وَ قَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.


Комментарии

الشيخ صالح آل الشيخ

هذا الحديث أصل في بابه في بيان الاستمساك بتقوى الله -جل وعلا- والوصية بذلك، والاستمساك بالسمع والطاعة، وبالسنة وبطريقة الخلفاء الراشدين المهديين من بعد النبي عليه الصلاة والسلام

قال العرباض بن سارية -رضي الله عنه-: ﴿وعظنا رسول الله -ﷺ- موعظة وجلت منها القلوب، وزرفت منها العيون﴾ "وعظنا رسول الله -ﷺ- موعظة" الوعظ هو التذكير بالأمر والنهي، وبحقوق الله -جل وعلا- في الأمر والنهي -يعني: فيما أمر به ونهى عنه-، وهذا يكون معه غالبا التخويف.

فالموعظة قد تكون بترغيب، وقد تكون بترهيب، والغالب عليها أن يكون معها التخويف من عدم امتثال الأمر أو بإرتكاب النهي، قد جاء ذكر الموعظة في القرآن في عدد من المواضع، والمفسرون فسروها بإتباع الأمر، أو بالتذكير بإتباع الأمر، والتذكير بإجتناب النهي، قالوا: إن لفظ "وعظ" بمعنى: جعل غيره في عظة.

والعظة: نوع مما يحصل به الاعتبار، وذلك من آثار الاستجابة للتخويف أو التهديد أو الإنذار أو الإعلام وما شابه ذلك؛ فلهذا فسرت الموعظة فيما جاء في القرآن بأنها كما ذكرت لك امتثال الأوامر، واجتناب النواهي، وإلقاء ذلك بشيء من التخويف منهما، وعمم الموعظة أمور الترغيب والترهيب، فيقال: هذه موعظة إذا ذكر بالله وبالآخرة، وبأمر الله ونهيه، وبعقوبة المنتهي عن الأمر، أو المرتكب للمنهي حين يذكر بعقوبته في الآخرة أو في الدنيا صار واعظا.

المقصود من هذا أن قوله هنا: ﴿وعظنا رسول الله -ﷺ- موعظة وجلت منها القلوب، وزرفت منها العيون﴾ سبب الوجل، وجل القلوب، وسبب أن العيون زرفت أنها اشتملت على أشياء منها: التخويف والوعيد، ومنها أنه نبههم أنه سيفارقهم.

فجمع -عليه الصلاة والسلام- لهم ما بين الإشعار بمفارقته لهم-عليه الصلاة والسلام- وما بين تذكيرهم بأمر الله -جل وعلا-، وبحدوده وأوامره، والتخويف من مخالفة ذلك، فقال -رضي الله عنه-: ﴿وجلت منها القلوب، وزرفت منها العيون﴾.

والوجل -وجل القلوب- أعظم من خوفها؛ لأن الوجل خوف وزيادة، وهو الخوف الذي معه اغترار وتردد في هذا الأمر-يعني: أنه خاف منه مع كون القلب راغبا راهبا في هذا الأمر- فهناك درجات فيه: الرهبة، والخوف، والوجل، فكلها داخلة في معنى الخوف، لكن كل واحدة لها مرتبتها.

قال: ﴿فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع﴾ يعني لما اشتملت عليه من الإشارات، ولما كانت عليه من أنها جامعة فاستشفوا أنها موعظة مودع لهم، فكأنه -عليه الصلاة والسلام- جمع لهم ما يحتاجون، وأرشدهم بذلك بأنه ربما فارقهم؛ لأنه جمع أشياء كثيرة في مكان واحد.

قال: "فأوصنا" ومر معنا معنى الوصية، قال -عليه الصلاة والسلام-: ﴿أوصيكم بتقوى الله عز وجل﴾ والتقوى: هي وصية الله للأولين والآخرين، وقد ذكرنا لكم أن معنى التقوى أن تجعل بينك وبين عذاب الله وسخطه وعقابه في الدنيا الآخرة وقاية، وهذه الوقاية بامتثال أوامره واجتناب مناهيه، والعمل بسنة المصطفى -ﷺ-، والتقوى في كل مقام بحسبه.

فقد فسرت التقوى بعدة تفسيرات ذكرناها لكم، ومن أحسنها قول طلق بن حبيب -رحمه الله تعالى- أن التقوى: هي أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله.

فجمع في هذا التعريف بين الترك والعلم والنية، وهذا هو حقيقة التقوى في الأوامر والنواهي، قال: ﴿أوصيكم بتقوى الله -عز وجل- والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا﴾ قال: ﴿والسمع والطاعة﴾ والسمع والطاعة حقان للإمام أو للأمير، وهما من ثمرات البيعة؛ لأن البيعة عقد وعهد على السمع والطاعة، فتحصل بالمباشرة وتحصل بالإنابة.

فالسمع والطاعة من ثمرات البيعة، فالإمام المسلم إذا بايعه طائفة من أهل العلم، ومن يُسار إليهم في الحل والعقد - فإن في بيعتهم له على السمع والطاعة، وعهدهم له أن يسمعوا ويطيعوا -في ذلك مبايعة بقية المسلمين، وعلى هذا جرت سنة المصطفى -ﷺ- وسنة الخلفاء الراشدين.

فالسمع والطاعة -كما ذكرت لك- لا فرق بينه وبين البيعة، ومن فرق بين البيعة وبين السمع والطاعة في الحقوق التي للإمام المسلم أو للأمير المسلم، فلا دليل له من سنة المصطفى -ﷺ-، ولا من عمل الصحابة والتابعين، ولا من قول أهل السنة والجماعة، وأتباع السلف الصالح من عقائدهم.

فالسمع والطاعة للأمير المسلم حق من حقوقه؛ لقول الله -جل وعلا-: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي اْلأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ لكن السمع والطاعة له لا تجب له حقا له استقلالا، وإنما هي على وجه التبع -يعني أنها تبع لطاعة الله وطاعة رسوله؛ ولهذا جاء في الأحاديث بيان أن ﴿الطاعة إنما هي في المعروف﴾.

والمعروف هو ما ليس بمعصية -يعني: ما عرف في الشرع حسنه- وهو ما ليس بمعصية؛ ولهذا جاء في أحاديث أخر بيان أن الطاعة تكون في غير المعصية، وعلى هذا اعتقاد أهل السنة والجماعة في امتثالهم لهذه الوصية العظيمة منه -عليه الصلاة والسلام-: ﴿أوصيكم بتقوى الله -عز وجل- والسمع والطاعة﴾.

السمع والطاعة -كما ذكرت لك- يعني في غير المعصية، فإذا كان في الواجبات فالسمع والطاعة لأمر الله -جل وعلا-، ولحق الله -جل وعلا- لا لحق الأمير، وإذا كان في المبيحات أو فيما يكون فيه الاجتهاد، فهنا يتوجه السمع والطاعة لحق الإمام أو لحق الأمير.

يعني أن المسائل ثلاث: ما وجب بأصل الشرع فإنه يطاع فيه الأمير لأمر الله -جل وعلا- لذلك، وليست الطاعة هنا في الواجب من حقوقه، بل هو يطاع لحق الله -جل وعلا- في طاعته فيما أوجب جل وعلا.

والحالة الثانية: أن يأمر أو ينهى عن مباح، أو فيما فيه إجتهاد، أو عن مكروه أو ما أشبه ذلك، فإنه يطاع هنا لحقه هو؛ لأن الله -جل وعلا- جعل له السمع والطاعة.

الحالة الثالثة: أن يكون أمره بمعصية أو نهيه عن واجب، فهنا لا طاعة له؛ لأن طاعة الله -جل وعلا- حق مقدم على طاعة غيره ممن جعل الله -جل وعلا- له الحق، فمثلا: الوالدان، والمرأة لزوجها، والإمام، وأشباه ذلك ممن جعل الله -جل وعلا- لهم حقا في السمع والطاعة، فإنهم يطاعون في غير المعصية، يعني: فيما جاء في الشريعة أنه غير محرم.

قال: ﴿وإن تأمر عليكم عبد﴾ "وإن تأمر عليكم عبد" في قوله: "تأمر" معنى تغلب، ﴿وإن تأمر عليكم عبد﴾ يعني: غلب عبد على الإمارة، فدعا لمبياعته أو دعا لأن يسمع له ويطاع، فهنا يجب أن يسمع له ويطاع؛ فلهذا قال العلماء: الولايات الشرعية العامة تكون بإحدى طريقين:

الطريق الأول: طريق الاختيار: أن يختار الإمام العام، أو أن يختار الأمير، والاختيار، ولاية الاختيار لها شروطها إذا كانت لأهل الحل والعقد، فإنهم يختارون من اجتمعت فيه الشروط الشرعية التي جاءت في الأحاديث، ومنها: أن يكون الإمام قرشيا، ومنها أن يكون عالما، ومنها أن يكون يحسن سياسة الأمور، وأشباه ذلك مما اشترطه أهل العلم في ولاية الاختيار.

والقسم الثاني: ولاية التغلب: وهو أن يغلب الإمام، أن يغلب أحد أميرٌ أو غيره ممن لا تتوفر فيه الشروط، أو بعض الشروط، أو تكون تتوفر فيه لكنه غلب إماما آخر قبله فإنه هنا إذا غلبه فيبايع، ويسمع له، ويطاع؛ لأن البيعة هنا أصبحت بيعة تغلب، والولاية ولاية غلبة وسيف.

فهذا كما أوصى هنا -عليه الصلاة والسلام- أن يسمع ويطاع لمن لم تتوفر فيه الشروط التي تكون في ولاية الاختيار؛ حيث قال هنا -عليه الصلاة والسلام-: ﴿وإن تأمر﴾ ونفهم من التأمر أنه لم يكن ثم اختيار، فهذه ولاية التغلب، وقال: ﴿إن تأمر عليكم عبد﴾ ومعلوم أن العبد لا يختار بيدي أمور المسلمين.

فدل هذا على أن ولاية الغلبة يجب لمن غلب فتولى، يجب له السمع والطاعة، كما تجب للإمام الذي يختار اختيارا، لا فرق بينهما في حقوق البيعة والسمع والطاعة؛ وذلك لأجل المصلحة العامة من المسلمين.

وإذا نظرت فإن الاختيار وقع في تاريخ هذه الأمة على الخلفاء الراشدين الأربعة، وعلى معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه-، ومن بعد معاوية من عهد يزيد إلى زماننا هذا، فالولايات ولايات تغلب؛ لأنها تكونت الدويلات، وهذا يعارض هذا إلى آخره، فكلها لم تنشأ كتواتر أو كتتابع لأصل الخلافة الراشدة، وإنما صارت ولاية تغلب.

وهذا هو الذي جاء في الحديث الصحيح أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: ﴿تكون خلافة النبوة ثلاثين عاما﴾ أو قال: ﴿ثلاثون عاما خلافة النبوة﴾ ثم يكون ملكا عاضا وهكذا، يعني: أن الخلافة التي على منهاج النبوة تكون في هذه الأمة فقط لمدة ثلاثين عاما بعده -عليه الصلاة والسلام-، وهي التي انتهت بمقتل علي رضي الله عنه.

وولاية معاوية -كما هو معلوم- ولاية اختيار؛ لأن الحسن بن علي تنازل له عن الخلافة، فاجتمع عليه الناس، وسمي ذلك العام عام الجماعة؛ لاجتماعهم على معاوية -رضي الله عنه-، وما بعده أصبحت ولاية تغلب.

وأهل السنة والجماعة أجمعوا لما صنفوا عقائدهم من القرن الثاني إلى زماننا هذا -على أن البيعة منعقدة لمن تغلب، ودعا الناس إلى إمامته، مع أن الذي يشترط للإمام غير متوفر فيه أو هو متوفر فيه، فالأمر سيان من جهة حقوقه، حقوق الطاعة والسمع والبيعة، وما يترتب على ذلك من الجهاد معه والتجميع عليه، وعدم التنفير عنه، وسائر الحقوق التي جاءت في الأئمة والأمراء.

قال هنا -عليه الصلاة والسلام-: ﴿وإن تأمر عليكم عبد﴾ فإن الفاء هذه تعليلية ﴿فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا﴾ يعني: سيرى اختلافا على الأمراء، فوصيته -عليه الصلاة والسلام- له أنه من عاش فرأى الاختلاف، فعليه بالسمع والطاعة وإن تأمر عليه عبد.

وجاء في أحاديث أخر بيان بعض هذا الاختلاف، وما يحصل من الفرقة وأشباه ذلك يجمعها أن الاختلاف اختلاف على الدين، أو اختلاف على الأمير، فمن رأى الاختلاف الكثير فإن عليه أن يلزم التقوى، وعليه أن يلزم السمع والطاعة، فهذه وصيته -عليه الصلاة والسلام- إذ قال: ﴿فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا﴾.

والاختلاف الكثير يعني: عما كانت عليه سنته -عليه الصلاة والسلام- فأوصى فقال: ﴿فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين﴾ عليكم بسنتي يعني: الزموا سنتي، ابحثوا عنها والزموها، فما أوصيت فيه في سنتي فالزموه، وهذا هو الواجب على العباد حين الاختلاف.

إذا اختلفوا في العقائد فعليهم أن يبحثوا في سنة المصطفى -ﷺ-، إذا اختلفوا في الشرائع وفي الأحكام فعليهم أن يبحثوا في سنة المصطفى -ﷺ-، إذا كثر الاختلاف بينهم في أمور الفتن والآراء إلى آخره فعليهم أن يرجعوا إلى سنة المصطفى -ﷺ-، وسنة الخلفاء الراشدين؛ فإن فيها النجاة. ولم نر مسألة من المسائل التي من أجلها اختلف الناس في تاريخ الإسلام كله، من أوله إلى يومنا هذا إلا وفي السنة بيانها، لكن يؤتى الناس من جهة أنهم لا يرغبون في السنة، لا يرغبون في امتثال وصية المصطفى -ﷺ- وأمره ونهيه وبيانه -عليه الصلاة والسلام-؛ لهذا أوصى -عليه الصلاة والسلام- هذه الوصية العظيمة، فقال: ﴿فعليكم بسنتي﴾.

والسنة المقصود هنا بها الهدي والطريقة التي كان عليها -عليه الصلاة والسلام-، والسنة بيان للقرآن، فما كان من كلامه -عليه الصلاة والسلام-، وما كان من أفعاله -فإن في ذلك السنة، وهي الطريقة والهدي الذي كان عليه -عليه الصلاة والسلام-.

وهذا فيه بيان واضح لمعنى القرآن، حيث قال -جل وعلا-: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ في سورة النحل، فقوله: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ ﴾الذكر هنا هو سنة المصطفى ﷺ، قال: ﴿وسنة الخلفاء الراشدين المهديين﴾ الخلفاء: هم الذين خلفوا المصطفى -ﷺ- في ولاية الأمر على طريقته عليه الصلاة والسلام.

والخلفاء الراشدون من بعده -عليه الصلاة والسلام- أربعة: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي -رضي الله عنهم- أجمعين، ووُصِفوا بأنهم راشدون؛ لأنهم قاموا بالرشد، والرشد: هو العلم بالحق والعمل به. فسموا راشدين؛ لأنهم كانوا علماء في الحق عملوا به، وليست هذه الصفة إلا لهؤلاء الأربعة.

وفي عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- خلاف، هل يعد من الخلفاء الراشدين أم لا يعد من الخلفاء الراشدين؟ والذي عليه نص كثير من أهل العلم كأحمد وغيره أنه من الخلفاء الراشدين؛ لأنه علم الحق فعمل به، وعامة الولاة ليسوا على ذلك بل منهم من لا يعلم الحق أصلا، ومنهم من يعلم الحق فيخالفه لأهواء وشهوات، ونوازع مختلفة.

فالذين وصفوا بأنهم خلفاء راشدون هؤلاء هم الأربعة أصحاب محمد بن عبد الله - عليه الصلاة والسلام-، وعمر بن عبد العزيز كذلك خليفة راشد، وهنا تنبيه على مقالة ربما ترد على ألسنة بعض الكتاب، وهي غير سليمة من جهة مكانة الصحابة -رضوان الله عليهم-، غير متفقة بالجملة مع عقائد أهل السنة والجماعة فيما نفهم من عقائدهم، وهي قولهم عن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: إنه خامس الخلفاء الراشدين.

وهذا ليس بسديد؛ لأن معاوية -رضي الله عنه- أعظم منزلة من عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى-، وإذا كان ثم خامس للخلفاء الراشدين فهو معاوية؛ لأنه أحق بهذا الوصف من عمر بن عبد العزيز، لكن عمر وصفه جماعة من أهل العلم بأنه خليفة راشد، ومعاوية بحسب الاعتبار أنه اجتُمع عليه؛ فإنه خليفة راشد.

لكن لما جعل الأمر ملكا في بنيه -ملكا في يزيد- كان أهل العلم يعبرون عنه بأنه ملك راشد، وخير ملوك المسلمين على الإطلاق، وهو خليفة؛ لأنه خلف ما بعده بالحق، وليس ثم خامس للأربعة الخلفاء، فإذا قيل: إن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- خليفة راشد هذا حق، ولكن لا يقال: هو خامس الخلفاء الراشدين؛ لأن معاوية أحق منه بهذا الوصف، لو كان هذا الوصف سائغا.

أما الخلفاء فهم أربعة؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ﴿ثلاثون سنة خلافة نبوة﴾ فما بعد ذلك إنما هو وصف لأجل التحبيب في خلال الأمراء وأوصاف الولاة.

قال -عليه الصلاة والسلام-: "المهديين" يعني: الذين منَّ الله عليهم فهداهم للحق فعملوا به، قال: ﴿عضوا عليها بالنواجذ﴾ "بالنواخذ" وهي الأضراس، وأشد ما يكون الاستمساك إذا أراد المرء أن يستمسك بشيء بأسنانه أن يعض عليه بأضراسه؛ لأنها أشد الأسنان.

فقال -عليه الصلاة والسلام-: ﴿عضوا عليها بالنواجذ﴾ يعني: كونوا مستمسكين بها على أشد ما يكون الاستمساك بسنته عند الاختلاف، وسنة الخلفاء الراشدين عند الاختلاف، والتقوى والسمع والطاعة؛ فإن في هذا النجاة، وهذا مجرب في كل ما مر في تاريخ الإسلام من تقلبات وفتن، فإن من أخذ بهذه الوصية نجا في دينه ودنياه.

قال -عليه الصلاة والسلام-: ﴿وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة﴾ "إياكم" هذا تحذير ونهي، ومن الصيغ التي يفهم منها النهي أو يعبر بها عن النهي صيغة إياك، وكذا كما قرره علماء الأصول، فقوله: ﴿وإياكم ومحدثات الأمور﴾ هذا في معنى قوله: لا تقربوا أو لا تأتوا محدثات الأمور، فهو نهي عن محدثات الأمور.

والمحدثات جمع محدثة، وهي: كل ما أحدث بعده -عليه الصلاة والسلام- على غير مثال سابق له، وهذه المحدثات التي أحدثت على قسمين: منها محدثات من قَبِيل المصالح المرسلة التي أوضحنا لكم معناها وضوابطها في أوائل هذا الشرح، فهذه لا تدخل في المحدثات المذمومة؛ لأنها محدثة لغة، ولكنها ليست بمحدثة شرعا؛ لأن لها الدليل في الشرع الذي دل على اعتبارها، وهو كونها من المصالح المرسلة، وأشباه ذلك على الضوابط التي ذكرنها في ذلك المقام.

والقسم الثاني: المحدثات التي هي في الدين بما أحدث مع قيام المقتضي لفعله في عهده -ﷺ- وتُرِك، فما تُرك في عهده من العبادات أو مما يتقرب به إلى الله -جل وعلا- مع قيام المقتضي بفعله ولم يفعل، فهو محدثة في الدين، فهو بدعة.

وهذا القسم هو الذي يتوجه إليه قوله -ﷺ-: ﴿وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة﴾ وهذا يعني أن نعكس الأمر، فيكون المنهي عنه هي الضلالات من البدع، وهي البدع في الشريعة البدع في الدين.

وأما البدع من حيث هي في اللغة فإنها قد تكون، ولا ينهى عنها في الشرع كما قال عمر حين جمع الناس، أو حين جمع الناس على إمام واحد، فقال: "نعمت البدعة هذه" فجعلها بدعة -يعني: في اللغة- فليست كل بدعة في اللغة بدعة في الشرع؛ لأنها قد تكون بدعة لغة، ولا تكون بدعة شرعا لدخولها في تعريف المصالح المرسلة، أو في العفو العام أو ما أشبه ذلك.

أما ما يتقرب إلى الله به من العبادات، وقد قام المقتضى بفعله في عهده -عليه الصلاة والسلام-، ولم يفعل -فإنه من البدع المحدثات، ومن البدع الضلالة، فقال: ﴿فإن كل بدعة ضلالة﴾ وهذه الكلية من صيغ العموم، وهذا يدل على إبطال قول من قال: إن من البدع في الدين ما ليس بضلالة.

وهو ما أحدثه العز بن عبد السلام في الأمة من تقسيم البدعة إلى خمسة أقسام: واجبة، ومستحبة، ومباحة، ومكروهة، ومحرمة. فتبعه الناس على ذلك، وانتشرت البدع على هذا التعريف أو هذا التقسيم بقوله: إن من البدع ما هو واجب، ومن البدع ما هو مستحب، وأشباه ذلك، وهذا مصادم لهذا النص، وقولهم بالرأي، والقول بالرأي مذموم إذا كان في مقابلة النص ومصادمته.

فالنبي -عليه الصلاة والسلام- قال لنا: ﴿فإن كل بدعة ضلالة﴾ فهذه الكلية، فمن قال: "إن ثم من البدع ما ليس بضلالة" فهو مخالف لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ﴿إن كل بدعة ضلالة﴾ فما من بدعة في الدين إلا وهي ضلالة، كما قال عليه الصلاة والسلام.

على تعريف البدعة الذي ذكرناه يخرج من ذلك المصالح المرسلة؛ لأنها لا تدخل في البدع، كما هو معروف من تعريف البدع، وتعريف المصلحة المرسلة؛ حيث ذكرنا لك ذلك مفصلا في موضعه.