الشيخ ابن العثيمين
هذا حديث قدسيّ كالذي سبقه، وقد تكلمنا على ذلك.
قوله: ﴿مَنْ عَادَى لِي وَليَّاً﴾ أي اتخذه عدواً له، ووليُّ الله عزّ وجل بيَّنه الله عزّ وجل في القرآن، فقال: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ (يونس: 62-63).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- من كان مؤمناً تقياً كان لله وليَّاً أخذه من الآية: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) (يونس: 63).
﴿فَقَدْ﴾ هذا جواب الشرط ﴿آذَنْتُهُ ِبالحَرْبِ﴾ أي أعلنت عليه الحرب، وذلك لمعاداته أولياء الله.
﴿وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِيْ بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلِيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ﴾ ولكن الفرائض تختلف كما سنبين إن شاء الله في الفوائد، إنما جنس الفرائض أحب إلى الله من جنس النوافل.
﴿وَلاَ يَزَالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ﴾ لايزال: هذا من أفعال الاستمرار، أي أنه يستمر يتقرب إلى الله تعالى بالنوافل حتى يحبه الله عزّ وجل، و (حتى) هذه للغاية، فيكون من أحباب الله.
﴿فَإِذَا أَحْبَبتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِيْ يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِيْ يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِيْ بِهَا﴾
قوله: ﴿كُنْتُ سَمْعَهُ﴾ من المعلوم أن الحديث ليس على ظاهره، لأن سمع المخلوق حادث ومخلوق وبائن عن الله عزّ وجل، فما معناه إذن؟
قيل: معناه أن الإنسان إذا كان وليّاً لله عزّ وجل وتذكر ولاية الله حفظ سمعه، فيكون سمعه تابعاً لما يرضي الله عزّ وجل.
وكذلك يقال في بصره، وفي: يده، وفي: رجله.
وقيل: المعنى أن الله يسدده في سمعه وبصره ويده ورجله، ويكون المعنى: أن يُوفّق هذا الإنسان فيما يسمع ويبصر ويمشي ويبطش. وهذا أقرب، أن المراد: تسديد الله تعالى العبد في هذه الجوارح.
وقوله: ﴿وَلَئِنْ سَأَلَنِيْ لأَعْطيَنَّهُ﴾ هذه الجملة تضمنت شرطاً وقسماً، السابق فيهما القسم، ولهذا جاء الجواب للقسم دون الشرط، فقال: ﴿لأَعْطِيَنَّهُ﴾.
وقد قال ابن مالك - رحمه الله- :
واحذفْ لدى اجتماع شرط وقسم جوابَ ما أخّرت فهو ملتزم
يعني إذا اجتمع شرط وقسم فاحذف جواب المتأخر، ويكون الجواب للمتقدم، فهنا الجواب للمتقدم الذي هو القسم لأنه أتى مقروناً باللام.
﴿وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي﴾ أي طلب مني أن أعيذه فأكون ملجأ له ل﴿أعِيذَنَّهُ﴾ فذكر السؤال الذي به حصول المطلوب، والاستعاذة التي بها النجاة من المرهوب، وأخبر أنه سبحانه وتعالى يعطي هذا المتقرب إليه بالنوافل ماسأل، ويعيذه مما استعاذ.
من فوائد هذا الحديث:
1- أن معاداة أولياء الله من كبائر الذنوب، لقوله: ﴿فَقَدْ آذَنتُهُ بِالحَرْبِ﴾ وهذه عقوبة خاصة على عمل خاص، فيكون هذا العمل من كبائر الذنوب.
2- إثبات أولياء الله عزّ وجل، ولا يمكن إنكار هذا لأنه ثابت في القرآن والسنة، ولكن الشأن كل الشأن تحقيق المناط، بمعنى: من هو الولي؟ هل تحصل الولاية بالدعوى أو تحصل بهيئة اللباس؟ أو بهيئة البدن؟
الجواب: لا، فالولاية بينها الله عزّ وجل بقوله: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ (يونس: 63) فمن كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً.
واعلم أن ولاية الله عزّ وجل نوعان: عامة وخاصة.
فالعامة: ولايته على الخلق كلهم تدبيراً وقياماً بشؤونهم، وهذا عام لكل أحد، للمؤمن والكافر، والبر والفاجر، ومنه قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ*ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ﴾ (الأنعام: 61-62).
وولاية خاصة: وهي ولاية الله عزّ وجل للمتقين، قال الله عزّ وجل: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ (البقرة: من الآية 257) فهذه ولاية خاصة وقال الله عزّ وجل: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ (يونس: 62-63).
فإن قال قائل: هل في ثبوت ولاية الله تعالى لشخص أن يكون واسطة بينك وبين الله في الدعاء لك وقضاء حوائجك وما أشبه ذلك؟
فالجواب: لا، فالله تعالى ليس بينه وبين عباده واسطة، وأما ا لجاهلون المغرورون فيقولون: هؤلاء أولياء الله وهم واسطة بيننا وبين الله. فيتوسلون بهم إلى الله أولاً ثم يدعونهم من دون الله ثانياً.
3- إثبات الحرابة لله عزّ وجل، لقوله: ﴿آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ﴾ وقد ذكر الله تعالى ذلك في الربا أيضاً فقال: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ (البقرة: من الآية 279)، وذكر ذلك أيضاً في عقوبة قطاع الطريق: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْض﴾ (المائدة: من الآية 33).
4- إثبات محبة الله وأنها تتفاضل، لقوله: ﴿وَمَاتَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِيْ بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْته عَلَيْهِ﴾.
5- أن الأعمال الصالحة تقرب إلى الله عزّ وجل، والإنسان يشعر هذا بنفسه إذا قام بعبادة الله على الوجه الأكمل من الإخلاص والمتابعة وحضور القلب أحس بأنه قَرُبَ من الله عزّ وجل. وهذا لايدركه إلا الموفقون، وإلا فما أكثر الذين يصلون ويتصدقون ويصومون، ولكن كثيراً منهم لايشعر بقربه من الله، وشعور العبد بقربه من الله لاشك أنه سيؤثر في سيره ومنهجه.
6- أن أوامر الله عزّ وجل قسمان: فريضة، ونافلة. والنافلة: الزائد عن الفريضة، ووجه هذا التقسيم قوله: ﴿وَمَا تَقَرَّبَ إِلِيَّ عَبْدِيْ بِشَيءٍ أَحَبَّ إِليَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ. ولايَزَالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ﴾.
7- تفاضل الأعمال من حيث الجنس كما تتفاضل من حيث النوع. فمن حيث الجنس: الفرائض أحب إلى الله من النوافل. ومن حيث النوع: الصلاة أحب إلى الله مما دونها من الفرائض، ولهذا سأل ابن مسعود رضي الله عنه رسول الله : أي الأعمال - أو العمل - أحب إلى الله؟ فقال: ﴿الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا﴾.
فالأعمال تتفاضل في أجناسها، وتتفاضل أجناسها في أنواعها، بل وتتفاضل أنواعها في أفرادها. فكم من رجلين صليا صلاة واحدة واختلفت مرتبتهما ومنزلتهما عند الله كما بين المشرق والمغرب.
8- الحثّ على كثرة النوافل، لقوله تعالى في الحديث القدسي: ﴿وَلاَيَزَالُ عَبدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ﴾.
9- أن كثرة النوافل سبب لمحبة الله عزّ وجل، لأن: (حتى) للغاية، فإذا أكثرت من النوافل فأبشر بمحبة الله لك.
ولكن اعلم أن هذا الجزاء والمثوبة على الأعمال إنماهو على الأعمال التي جاءت على وفق الشرع، فما كل صلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وما كل نافلة تقرّب إلى الله عزّ وجل، أقول هذا لاتيئيساً ولكن حثّاً على إتقان العبادة وإكمال العبادة، حتى ينال العبد الثواب المرتب عليها في الدنيا والآخرة.
ولذلك كثير من الناس يصلّون الصلوات الخمس والنوافل ولايحس أن قلبه نفر من المنكر، أو نفر من الفحشاء، هو باقٍ على طبيعته. لماذا هل هو لنقص الآلة، أو لنقص العامل؟
الجواب: لنقص العامل.
10- أن الله تعالى إذا أحب عبداً سدده في سمعه وبصره ويده ورجله، أي في كل حواسه بحيث لايسمع إلا ما يرضي الله عزّ وجل، وإذا سمع انتفع، وكذلك أيضاً لايطلق بصره إلا فيما يرضي الله وإذا أبصر انتفع، كذلك في يده: لايبطش بيده إلا فيما يرضي الله، وإذا بطش فيما يرضي الله انتفع، وكذلك يقال في الرِّجل.
11- أن الله تعالى إذا أحب عبداً أجاب مسألته وأعطاه ما يسأل وأعاذه مما يكره، فيحصل له المطلوب ويزول عنه المرهوب.
يحصل له المطلوب في قوله: ﴿وَلَئِنْ سَأَلَنِيْ لأُعْطِيَنَّهُ﴾ ويزول المرهوب في قوله: ﴿وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنَي لأُعِيذَنَّهُ﴾.
فإن قال قائل: هل هذا على إطلاقه، أي أنه إذا سأل الإنسان أي شيء أجيب مادام متصفاً بهذه الأوصاف؟
فالجواب: لا، لأن النصوص يقيد بعضها بعضاً، فإذا دعا بإثم، أو قطيعة رحم، أو ظلماً لإنسان فإنه لايستجاب له، حتى وإن كان يكثر من النوافل، حتى وإن بلغ هذه المرتبة العظيمة وهي: محبة الله له فإنه إذا دعا بإثم، أو قطيعة رحم، أو ظلم فإنه لايستجاب له، لأن الله عزّ وجل أعدل من أن يجيب مثل هذا.
12- كرامة الأولياء على الله تعالى حيث كان الذي يعاديهم قد آذنه الله بالحرب.
13- أن معاداة أولياء الله من كبائر الذنوب، لأن الله تعالى جعل ذلك إذناً بالحرب. والله أعلم
الشيخ صالح آل الشيخ
هذا حديث -أيضا- عظيم قال فيه -عليه الصلاة والسلام-: إن الله تعالى قال - وهو حديث قدسي- ﴿من عاد لي وليا فقد آذنته بالحرب﴾ عادى: يعني: اتخذ الولي عدوا، وهذا معناه أنه أبغضه، قال العلماء: إن أبغض الولي؛ لما هو علي من الدين، فهذا ظاهر دخوله في الحديث، وأما إن عاداه لأجل الدنيا، وحصل بينه وبينه خصومات؛ لأجل الدنيا فهذا فيه تفصيل، إن صار معه خصومات بغضاء وكره، فإن يخشى عليه أن يدخل في هذا الحديث، وأما إن كانت الخصومات بدون بغضاء، فإنه لا يدخل في هذا الحديث، يعني: لا يكون مؤذنا بالحرب، وذلك لأن سادات الأولياء من هذه الأمة قد وقعت بينهم خصومات، فتخاصم عمر وأبو بكر في عدة مجالس، وتخاصم ابن عباس، بل العباس وعلي وحصل بينهم خصومة، وتراجعا إلى القاضي، وهكذا في عدد من الأحوال. فوقوع الخصومة بلا بغضاء لولي من أولياء الله -جل وعلا- فهذا لا يدخل في ا هذا الحديث، وأما إذا أبغض وليا من أوليا الله -جل وعلا- فإنه مؤذن بالحرب، يعني: قد أذنه الله -جل وعلا- بحرب من عنده، وإيذانه بالحرب معناه: أنه أُعلِم وأُنظِر بأنه سيعاقب من الله -جل وعلا- إذ حرب الله -جل وعلا- إيصال عذابه ونكاله لعباده، قال: ﴿من عاد لي وليا﴾ والولي عند أهل السنة والجماعة عُرِّف بأنه: يعني عرفه بعض العلماء بأنه: كل مؤمن تقي ليس بنبي، هذا الولي في الاصطلاح عند أهل السنة والجماعة، يعني: أن الولي كل من عنده إيمان وتقوى. والإيمان والتقوى يتفاضلا، فتكون الولاية، يعني محبة الله -جل وعلا- لعبده ونصرته لعبده تكون تلك الولاية متفاضلة، وإنما يقصد بالولي من كمل بحسب استطاعته الإيمان والتقوى، وغلب عليه في أحواله الإيمان والتقوى، وذلك لقول الله -جل وعلا-: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ فجعل الأولياء هم المؤمنين المتقين، إذن فمن عاد مؤمنا متقيا قد سعى في تكميل إيمانه وتقواه بحسب قدرته، ولم يعرف عنه ما يخدش كمال إيمانه، وكمال تقواه، فإنه مؤذن بحرب من الله، يعني: معلم ومهدد بإيصال عقوبة الله -جل وعلا- له؛ لأن هذا الولي محبوب لله -جل وعلا- منصور من الله -جل وعلا- والواجب أن تحب المرء لمحبة الله -جل وعل- له.
قال: ﴿وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه﴾ يعني: أن أحب القربات إلى الله -جل وعلا- أن يتقرب إليه بها العبد أن يتقرب العبد بالفرائض، هذه أحب القربات إلى الله -جل وعلا-: الصلوات الخمس، حيث تصلى وتقام، والزكاة المفروضة، والصيام المفروض، والحج المفروض، والأمور الواجبة، وكل أمر افترضه الله -جل وعلا- عليه فالتقرب إليه به. وأحب الأشياء إليه -جل وعلا- وهذا خلاف ما يأتي لبعض النفوس، في أنهم يحصل عندهم خشوع و تذلل في النوافل ما لا يحصل في الفرائض، بل ويرجون بالنوافل ما لا يرجون بالفرائض، وهذا خلاف العلم، والله -جل جلاله- كما جاء في هذا الحديث القدسي: إنما يحب بل أحب ما يتقرب إليه به -جل وعلا- ما افترضه سبحانه. فافترض الله -جل وعلا- الفرائض؛ لأنه يحب أن يتعبد بها قال: ﴿ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه﴾ يعني: لا يزال يتقرب بالنوافل: نوافل العبادات بعد الفرائض؛ حتى يحبه الله -جل وعلا- وهذا يعني: أنه صار له كثرة النوافل وصفا، بحيث كثر منه إتيانه بنوافل العبادات من صلاة وصيام وصدقات وحج وعمرة وأشباه ذلك.
قال: ﴿حتى أحبه﴾ وهذا يدل على أن محبة الله -جل وعلا -تجلب بالسعي في طاعته بأداء النوافل، والسعي فيها بعد أداء الفرائض، والتقرب إلى الله -جل وعلا- بها. قال: ﴿فإذا أحببته﴾ لمحبة الله -جل وعلا- لعبده أثر، فما هذا الأثر؟ قال: ﴿فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به…﴾ إلى آخره، هذا فسره علماء الحديث وعلماء السنة بقوله: ﴿كنت سمعه الذي يسمع به﴾ يعني: أُوَفِّقه وأسدده في سمعه وفي بصره، وفي ما يعمل بيده، وفيما يمشي إليه برجله، فمعنى قوله: ﴿كنت سمعه﴾ يعني: أوفقه في سمعه، وهذا ليس من التأويل؛ لأن القاطع الشرعي النصي أن الله -جل وعلا- لا يكون بذاته سمعا، ولا يكون بذاته بصرا، ولا يكون بذاته يدا، ولا يكون بذاته رجلا -جل وعلا- وتقدس وتعاظم ربنا، فدل على القاطع الشرعي على أن قوله: ﴿كنت سمعه الذي يسمع به﴾ يعني: أنه يوفق في سمعه، ويسدد فلا يسمع إلا ما يحب الله -جل وعلا- أن يسمع، ولا يبصر إلا ما يحب الله -جل وعلا- أن يبصر، ولا يعمل بيده ولا يبطش بيده إلا بما يحب الله -جل وعلا- أن يعمل باليد، أو يبطش بها، وكذلك في الرجل التي يمشي بها، وغلاة الصوفية استدلوا بهذا على مسألة الحلول، وهناك رواية موضوعة زادوها في هذا الحديث بعد قوله: ﴿ورجله التي يمشي بها﴾ قال: "وحتى يقول للشيء كن فيكون"، وهذا من جراء عقيدة الحلول، وهذه مروية لكنها بأسانيد منكرة، وحكم عليها طائفة من أهل العلم بالوضع.
قال: ﴿ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه﴾ يعني: والله لئن سألني لأعطينه؛ لأن اللام في قوله "لئن" هذه واقعة في جواب القسم، ويكون قبلها قسم، ﴿لئن سألني لأعطينه﴾ يعني: والله لئن سألني لأعطينه، ما سأل يعني: أن يكون مجاب الدعوة ﴿ولئن استعاذني لأعيذنه﴾ وهذا فرع من الجملة قبلها، جعلني الله وإياكم من خاصة عباده وأوليائه.