الشيخ ابن العثيمين
عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما من المكثرين رواية للحديث، لأنه كان يكتب، وكان أبو هريرة رضي الله عنه يغبطه على هذا، ويقول: لا أعلم أحداً أكثر حديثاً مني عن رسول الله إلا عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، فإنه كان يكتب ولا أكتب.
يقول: ﴿لاَ يُؤمِنُ أَحَدُكُمْ﴾ يعني الإيمان الكامل.
﴿حَتَّى يَكُونَ هَواهُ﴾ أي اتجاهه وقصده.
﴿تَبَعَاً لِمَا جِئْتُ بِهِ﴾ أي من الشريعة.
قوله: ﴿حَدِيْثٌ حَسَنٌ صَحِيْحٌ، رَوَيْنَاهُ فِي كِتَابِ الحُجَّةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيْحٍ﴾. تعقّب ابن رجب - رحمه الله - هذا التصحيح من المؤلف وقال: الحديث لايصح، ولذلك يحسن تتبع شرح ابن رجب - رحمه الله - ونقل تعقيبه على الأحاديث، لأن ابن رجب - رحمه الله - حافظ من حفّاظ الحديث، وهو إذا أعلّ الأحاديث التي ذكرها النووي - رحمه الله - يبيّن وجه العلة.
لكن معنى الحديث بقطع النظر عن إسناده صحيح، وأن الإنسان يجب أن يكون هواه تبعاً لما جاء به.
من فوائد هذا الحديث:
1- تحذير الإنسان من أن يحكم العقل أو العادة مقدماً إياها على ما جاء به الرسول ﷺ، وجه ذلك: نفي الإيمان عنه.
فإن قال قائل: لماذا حملتموه على نفي الكمال؟
فالجواب: أنَّا حملناه على ذلك لأنه لايصدق في كل مسألة، لأن الإنسان قد يكون هواه تبعاً لما جاء به الرسول ﷺ في أكثر مسائل الدين، وفي بعض المسائل لايكون هواه تبعاً، فيحمل على نفي الكمال، ويقال: إن كان هواه لايكون تبعاً لماجاء به الرسول ﷺ في كل الدين فحينئذ يكون مرتدّاً.
2- أنه يجب علىالإنسان أن يستدلّ أولاً ثم يحكم ثانياً، لا أن يحكم ثم يستدل، بمعنى أنك إذا أردت إثبات حكم في العقائد أو في الجوارح فاستدل أولاً ثم احكم، أما أن تحكم ثم تستدلّ فهذا يعني أنك جعلت المتبوع تابعاً وجعلت الأصل عقلك والفرع الكتاب والسنة.
ولهذا تجد بعض العلماء - رحمهم الله، وعفا عنهم-الذين ينتحلون لمذاهبهم يجعلون الأدلة تبعاً لمذاهبهم، ثم يحاولون أن يلووا أعناق النصوص إلى ما يقتضيه مذهبهم علىوجه مستكره بعيد، وهذا من المصائب التي ابتلي بها بعض العلماء، والواجب أن يكون هواك تبعاً لما جاء به الرسول ﷺ .
3- تقسيم الهوى إلى محمود ومذموم، والأصل عند الإطلاق المذموم كما جاء ذلك في الكتاب والسنة، فكلما ذكر الله تعالى اتباع الهوى فهوعلى وجه الذم، لكن هذا الحديث يدلّ على أن الهوى ينقسم إلى قسمين:
محمود: وهو ما كان تبعاً لما جاء به الرسول ﷺ .
ومذموم: وهو ماخالف ذلك.
وعند الإطلاق يحمل على المذموم، ولهذايقال: الهدى، ويقابله الهوى.
4- وجوب تحكيم الشريعة في كل شيء، لقوله: ﴿لِمَا جِئتُ به﴾ والنبي ﷺ جاء بكل ما يصلح الخلق في معادهم ومعاشهم، قال الله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ (النحل: من الآية 89).
فليس شيء يحتاج الناس إليه في أمور الدين أو الدنيا إلا بيّنه - والحمد لله - إما بياناً واضحاً يعرفه كل أحد، وإما بياناً خفياً يعرفه الراسخون في العلم.
5- أن الإيمان يزيد وينقص كما هو مذهب أهل السنة والجماعة. والله أعلم
الشيخ صالح آل الشيخ
هذا الحديث حديث مشهور؛ وذلك لكونه في كتاب التوحيد، قال -عليه الصلاة والسلام-: ﴿لا يؤمن أحدكم، حتى يكون هواه تبعا لما جئت به﴾ وهذا حديث حسن، كما حسنه هنا النووي، بل قال: حديث حسن صحيح، وسبب تحسينه أنه في معنى الآية، وهي قوله -جل وعلا -: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ وتحسين الحديث، بمجيء آية فيها معناه. مذهب كثير من المتقدمين من أهل العلم كابن جرير الطبري، وجماعة من حذاق الأئمة والمحدثين.وقوله هنا: ﴿لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به﴾ يعني: الإيمان الكامل لا يكون، حتى يكون هوى المرء ورغبة المرء تبعا لما جاء به المصطفى -ﷺ- يعني: أن يجعل مراد الرسول -ﷺ- مقدما على مراده، وأن يكون شرع النبي -ﷺ- مقدما على هواه، وهكذا، فإذا تعارض رغبه وما جاء به، جاءت به السنة، فإنه يقدم ما جاءت به السنة، وهذا جاء بيانه في آيات كثيرة، وفي أحاديث كثيرة، كقول الله -جل وعلا -: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ﴾… الآية إلى أن قال: ﴿أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ فالواجب أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وإذا كان كذلك فسيكون هوى المرء تبعا لما جاء به المصطفى -ﷺ-. إذاً في قوله: ﴿لا يؤمن أحدكم﴾ هذا فيه نفي لكمال الإيمان الواجب، وهذا ظاهر من القاعدة التي سبق أن ذكرناها لكم، وتتمة الكلام على شرح الأحاديث فيما قدمناه من شرحنا على كتاب التوحيد.